أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في JO1R FORUM | منتديات شباب و صبايا الأردن، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .

بعضُ ما خبأتهُ الرياض .. | الصفحة 5

25 ها هي وثيقة التخرج في يميني ، نجحت بتفوّق ، ووقفتُ طويلاً في سيارتي انظر لكليّتي نظرة الوداع الأخيرة . أيامي الجميلة تتوالى .. حب سارة لي أضعا


اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد

الصفحة 2 من 10 < 1 5 6 10 > الأخيرة


look/images/icons/i1.gif بعضُ ما خبأتهُ الرياض ..
  23-05-2011 11:20 مساءً   [41]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 05-08-2008
رقم العضوية : 12,196
المشاركات : 2,877
الجنس :
قوة السمعة : 859,003,115
25

ها هي وثيقة التخرج في يميني ، نجحت بتفوّق ، ووقفتُ طويلاً في سيارتي انظر لكليّتي نظرة الوداع الأخيرة .
أيامي الجميلة تتوالى ..
حب سارة لي أضعاف ما أحمله لها في قلبي، وأيامنا صارت أناشيد فرح ..
قصصنا ومغامراتنا في مسرح العاصمة لا تنقضي .
الحياة تزدهر من حولي .. والأخبار السعيدة تستمر .. كل من حولي يعرفون أني صرت إنساناً آخر .

لم أعد صموتاً معتزل الناس .. صرت الرجل الأكثر بشاشة والأغزر حديثاً و الأطفحَ سروراً
دخلتِ حياتي ياسمرايَ وخلقتيني رجلاً جديداً ..
تُشير علي بماذا ألبس وأي الألوان أفضل وتقترح علي ماذا أسمع وأين أمضي وألبي ..
ترافقني تدخلاتها المحببة حتى وأنا أتجه لمجيد في صالون الحلاقة وتقول ليتك تفعل كذا وأفعل ماتقول ..
أصبحت كاميرا هاتفها عيناً لي في بيتها ، ضوءاً على حياتها ..
كل ماارتدت فستاناً جديداً ، كل ماغيّرت في شكل غرفتها ، كل ماتزيّنت لمناسبة..
حتى أطفال شقيقاتها صرتُ أعرفهم بأسمائهم وأشكالهم ، امتلأ هاتفي بتفاصيلها ..


قديماً حين أجلس بين أشقائي وأصدقائي أرمي هاتفي على الأرض لا أبالي بمن يتعبث في محتوياته،
بتّ الآن أحملهُ كقطعةٍ أثريّة خالصة أخشى عليه مجرد اللمس !


حتى مجالستي شقيقاتي صارت مدعاةً للمقارنة:
لا سارة لا تتحدث هكذا ، هي لا تهتم بشؤون المطبخ و تفاصيل الأسر الأخرى ..
سارة أرقى من النساء جميعاً .
النساء تتحدث بصوتٍ عال ووحدها سارة تغرد ،
يتكلمون عن البيوت وينبشون أسرارها وهي لا تقترفُ هذا الفضول ..
تعرفُ الكتب و الأسواق و الأناقة ..
تعرف حتى دهاليز الرياض وتفاصيل طرقاتها ليست متقوقعةً كغيرها في البيت تنتظرُ إذناً من أحد !
لديها حريةٌ لا تمتلكها النساء في مجتمعي ..
هذا لا يعني أني أتمنى أن تُمارس شقيقاتي ذات الدور ،
إنما كانت هذه الفروقات تأسرني ، تُشعرني أني وقعتُ على كنزٍ نفيس ليس مشاعاً .. نادر ..
حتى سُمرتها الخفيفة التي تكسو وجهها ملوحةً بادية ، كانت تمثل فرقاً عزيزاً جداً .. أحبه لأني لا أراه كثيراً في محيطي ..
حتى عدم انتمائها لقبيلة ، في البداية كان مثار صدمتي ،
ثم تماهيتُ مع الأمر حتى صار خصلةً تتفوق بها عن غيرها ، وأفلسف الأمر مع قلبي :
أن تحب فتاةً من الأقليّة ، هذا يعني أنك تمارس حباً مختلفاً عن البقيّة ، نوعٌ من التميز أحظاه معها ، ولن يفهمني أحد !
هي لا تأبه لهذه السخافات ! وأقول سخافات وأضحك من نفسي :
صارت هذه الأسماء الطويلة في عيني سخافات ،
وانا الذي كنت أيام الدراسة أخط على طاولتي ودفاتري اسمي الطويل منتهياً بالإسم الرنان !
حتى عندما ارتقيت بنفسي وقرأت ووعيت ، صرت أرفض هذه التجمعات البهرجيّة الزائفة .. نعم ، لكن في داخلي انتماءٌ مازال ينبض ..
الآن ، سحقتهُ سارة .. لم تقل لي شيئاً منذ خصامنا القديم ، لم تحرضني .. لكني رويداً رويداً ألغيتُ نفسي من مجمتعي وصرتُ تبيعاً لها !


هي قبيلتي ..وكانت تسعدُ كلما كررت الأمر على مسمعها !
لكني لم أقل لها أن والدي ذهب لأعيان قومي في مكاتبهم ، تحريكاً لإسمي في التعيين ،
هه ربما ستغضب أو ستضحك ، في الحالتين سأندم !
أخبرتها اني أردتُ الإلتحاق بالتدريس ليس لحبي له ، آخر من يتحمل ضوضاء الصبية أنا ،
لكن لأوقات الراحة الطويلة التي يحظى بها المعلم عن سواه ..
طموحي أن أكون كاتباً كبيراً ياسارة.. الكتابة والقراءة والإطلاع تحتاجُ وقتاً لن أجده إلا إذا كنت معلماً ..
هكذا حددتُ أهدافي وبقيت أنتظر الأخبار من أبي !


قالت لي بالأمس ونحن نتحدث ، أتمنى لو كنت معلمة يافيصل للصفوف الأولية .. أحب الأطفال جداً ..
فأخبرتها أني لا أتحمل بيتنا حين يتكاثف أطفالنا كل خميس ما بالكِ بأطفال الغرباء !
قالت لي يا قاسي .. من لا يحتمل ضوضاء الأطفال صلب ، هذه خصلةٌ لا أحبها فيك يافيصل ..
لا ياسارة لست قاسياً .. لكني اعتدتُ العزلة طويلاً والعزلة ابنة الصمت .. من يعتادها سيألف الهدوء
يا فيصل الأطفال أثمن هدية تقدم لنا من عند الله، هل ترى تعب الأم حين تحمل وتلد ، كل هذه المشقة مبررة لأجل طفل ..
أن أتعب وأعاني هذا ليس شيئاً أمام نداء " ماما " ..
ثم سكتت مطولاً و صعقتني يوم راحت تقول :
- تدري فيصل .. دائماً أحدث نفسي وأتمنى طفلا ً ..أتمناه منك !

كانت نبرتها حالمة ، وشعرت بأنها تمتليء شجناً ورحتُ أدّعي السخرية تغييراً لنبرة الجد في حديثها :
هل تريدينه أسمر البشرة أم مثل أبيه ..
وقالت على الفور مستغرقةً في أحلامها :
يشبهك تماماً هذا كل ماأريد !

* * *

ومضت أيامنا في الصيف الذي ما عاد صيفاً .. كان ربيعاً بفضل الحب ..
قديماً كانت هذه الأجواء ترهقني .. الصيف رجلٌ مزعج يأتي ليجعل أيامنا أسوأ !
الآن ليس يُرهقني، ولم يعد يعنيني في هذا المناخ حرارته ، بل تنفيرهُ لأهل العاصمة الذين يحملون حقائبهم مودعين !
كنتُ أخشى فراقها ولم أتحدث به ، وانتظرتُ أن تقول لي يوماً ها نحن على أعتاب السفر ..
لكنها جاءت تتراقصُ فرحاً ذات مساء :

فيصل لن نسافر هذا العام، لن نسافر .. كانت تهتف كما لو كنتُ لها المصيف والجو العليل
وهتفتُ بها : كنت أنتظر خبر تعييني ، الآن جئتيني بالخبر الأفضل ،
قلتها ولم أكن مغالياً .. أنا أعني ما أقول.. كانت أهم من مستقبلي !
حتى أنا ياسارة لن أمضي مع أهلي للقرية ، وسأبقى بجوارك ..
فيصل حدثني عن القرى
أووه ألا تسأمين هذا الحديث ياسارة ، يبدو أنكِ لن تكفي حتى تشاهديها
وعادت لها نبرتها الحالمة :
- فيصل ، هل سيأتي يوم ونكون فيها سوياً ولو ساعة ، تحكي لي طفولتك وأنا أشاهد !
ولذت بالصمت وقلتُ في سري : مستحيل !

هذه النبرة الدخيلة باتت توتّرني!!


قديماً كنا نتحدث ونضحك كطفلين ، كانت أحاديثنا نسمة هواءٍ لطيفة تدغدغ وجوهنا حتى بداية الصباح ..
الآن هذه النسمات صارت تتحول أحياناً ذرات غبارٍ مزعجة، قالحة ، تلفحُ الوجه بخشونة !
صار يعتري ساره بعض النضج فجأة ، تسألني أسئلةً لا أملك لها إجابة ..
بل أملك .. ولكني لا أريد أن أجيب !

البارحة جاء صوتها كئيباً .. وسألتها ماذا بك سارة ..
أخبرتني أنها تعاني بعض الضغوط من والديها لأول مرة .
صديق والدي، عاد ابنه للتو من كندا بالشهادة ، وتقدم لي بشكل شبه رسمي .. ورفضت !
لأول مرة تحدثني بهذا الحديث .. كانت مكتئبة من الضغط الذي رزحت تحته ،
وسألتها بخوف ماذا حصل ، قالت رفضت ولم أرضخ وانتهى الأمر ..
تنفست الصعداء وقلتُ لها : سارة ، أحبك ..
سارة لم أكن سعيداً كالسعادة التي أنا فيها الآن ، ولم أضحك يوماً هكذا إلا معك !
عادت لها نبرتها الشجية وقالت : لكني لم أبكِ هكذا إلا معك !
وانهيتُ المكالمة متعذراً بنداء أبي لي !



لا أدري ماذا حدث .. لماذا لا يدوم الحب مرفرفاً دون نغائص.. لماذا لا تسري الحياة كما أشتهي ؟!
ماذا أريد منها ؟
هي سر سعادتي .. وأعرف أن خسارتي لها يعني أن حياتي وموتي سواء ..
وغيابها عن مسرحي هذا يعني أن الأرض التي أسير عليها باتت تغلفني كـ قبر ليس إلا ..
ماذا أريد منكِ ياسارة .. أريد أن تبقي لي .. كيف ؟ لا أدري ..
أحقاً ما قال نيتشه ،في أي زمان ومكان يبقى الرجل وسيلة المرأة نحو الغاية : الطفل !
أي أن الحب لأجل الحب منتفي!
أحقاً ماقال: لا تطلب الأنثى من الحياة شيئاً سوى رجل ـ فإذا جاء طلبت منه كل شيء ..
آه ياسارة .. كفي عن أحلامكِ الوردية أرجوك .. واتركي التفكير الذي تعلمين استحالته ..
دعينا في هذه الحياة نقضي أيام صفونا دون كدر ..


سألتني سؤالاً غريباً :
أتحبني ؟! .. سمعتها مني ألف مرة ، لماذا تستجوبني هذا اليوم !؟
أخبرتها أني أحبها أكثر من أي شيء آخر .. ثم حلفتني ! وحلفت ..
فيصل هل تعدني أن تحبني مهما حدث .؟!
وانقبض قلبي وقلت لن يتغير في قلبي شيء ! سارة ماذا بك ..
تجاهلت سؤالي وراحت تتحدث عن ابتعاث هيفاء لأمريكا .. وكنتُ سعيداً بأن الموضوع تحوّر !



- أحبها وتحبني يا فهد ، هذا مالا أشك فيه ، لكن أحاديثها باتت تخيفني !
- كيف !؟
- الأسبوع الماضي كانت تقول ،لو ضمنا بيت يافيصل لجعلتك تمشي على كفوف الراحة وجعلتك الأسعد بين الرجال .. وأنت تعرف مابين سطور هذه الجملة !
وقبل يومين ، كنا نتحدث عن الأطفال ،
فجأةً تغير مجرى الحديث وصارت تتمنى طفلاً يشبهني ! وأحدثها عن قريتنا وتقول لي عدني أن تأخذني لها يوماً ..
كانت أحاديثنا يافهد ممتعة لذيذة ، لا أدري ماسر هذه الأحاديث الجدية فجأة

- أرأيت يافيصل كلهنّ هكذا ، يبدأن بالحب ونشوة العاطفة ثم يرتفع سقف الأمنيات !
تريد نصيحتي ؟ اهرب . انفذ بجلدك ياصديقي الأمر سوف يستفحل

- أهرب ؟! أنت مجنون؟ لا حياة بدونها ، أريد أن أقول لها أن تكف عن هذه الأحلام وأخشى جرحها !

- هل تذكر حديثنا عن الصقر والتحليق والإفتراس ؟ يوم قلت لي أن حبكم عذري !؟
ياصديقي أنت الآن مجرد صقر مثلي ومثل أي أحد .. لا تريد الزواج بها وتريدها ان تبقى تسلّيك !

- لن أفرط بها هل تسمع ؟ لن أفرط

تباً لدنجوان ، كعادته ، يتحدث وكأنه العارف بواطن الأمور .. لا يكف عن التباهي كطاووس !
أحبها ولن أهرب منها ، وسأبقى معها مدى الحياة .
"مدى الحياة " ..وشعرتُ بوقع الجملة غريباً .. أليست جملةً حمقاء ياقلبي؟!



* * *

راحت إجازة الصيف تجري .. الأخبار السعيدة تتوالى تباعاً :
قصصي باتت تنشر في الجرائد بشكلٍ شبه اسبوعي ، سارة تستقر معي في الرياض لم تسافر ،
أتلقى الإشادات من المحرر و القراء ..
ولم يتوقف الأمر هنا ...كانت أيامي الفرائحية تتناسل ..
في الصباح زُفت لي البشرى ، صرتُ معلماً ..
تم تعييني في الخرج قريباً من الرياض التي أسكنها .. هذا يعني أني لن أرحل يامدينتي ..
كانت سارة مبتهجةً بنجاحاتي ، رغم مسحة الحزن التي تكسوها وعبثاً تخفيه حنجرتها ..
قالت عيّنوك فوراً لأنك متفوق ، وقلتُ في نفسي أنتِ لا تعلمين شيئاً .. في الرياض تعمل الأسماء أكثر !
أخبرتني أن كل قصةٍ أنشرها تحتفظ بها في ملفٍ خاص.. كتبت عليه " دوستويفسكي " ..

- يوماً ما إذا اشتهرت لا تتنكر لي يافيصل هههه
- وهل أستطيع ، سأذيع اسمكِ عرفاناً على الملأ ، صحيح أنكِ ستدخلين في مشاكل مع عائلتك لكن هذا حقٌ لن أكتمه الناس !

تباً للدعابة الغبية، لماذا جئت بسيرة عائلتها .. هاهي بدأت تكتئب !

سارة تخفي عني شيئاً يدور في محيطها ولست أعلم ماهو ..
والعجز التام .. هو أني أريد أن أسأل وأخشى ..
أخشى أن تتعكر فرحتي ، أخشى أن لا أملك دفعاً للقادم من أخبار .. أخشى أن أعرف أني عاجز !
تركتُ الأمر .. وتركتها مع اكتئابها قليلا ً، ورحتُ أقص لها قصتي التي سأنشرها غداً ..
كانت على الخط ، وكنت أسرد ما كتبت .. وعلا صوتي متحمساً مع سطوري ..
وبدأت أعرف أنها لم تكن تصغي
كانت تنتحب ، وتوقفتُ عن القراءة.. ثم بكَتْ وخشيتُ السؤال .. واعتلاني الوجوم !
أخذت تصرخ " أحبك " .. ولم أقل لها أي شيء ..
طويتُ قصتي وأودعتها الدرج ولم أسأل ، لم أقل لها حتى أني أحبك ..
وعرفتُ أن في الأمر سراً لا طاقة لي بدفعه ..


- فيصل أريد أن أخرج معك لأي مكان !
- ماذا ؟!
- فيصل أرجوك ، أريد أن نخرج ، أريد أن أكون معك...

شعرتُ أنها تريد أن تقول " للمرة الأخيرة " ، أو هكذا توهمت لا أعرف !

هل أيامنا بدأت تتصرم ؟! أأسألها ؟! تركتُ الأمر يمضي دون أسئلتي ..
وبقلبٍ منقبض سألتها :
أين تريدين أن نذهـ

بصوتٍ باكي قاطعتني :

- فيصل أي مكان !
يتبع....

look/images/icons/i1.gif بعضُ ما خبأتهُ الرياض ..
  25-05-2011 05:52 مساءً   [42]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 24-07-2010
رقم العضوية : 42,215
المشاركات : 9,623
الجنس :
قوة السمعة : 2,147,483,647
.........بانتظار الجزء التالي .............

look/images/icons/i1.gif بعضُ ما خبأتهُ الرياض ..
  25-05-2011 06:03 مساءً   [43]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 14-02-2009
رقم العضوية : 25,340
المشاركات : 7,730
الجنس :
قوة السمعة : 1,238,127,908
:hat:





.
توقيع :Azar
من جيت عالدنيا واول مزاياي باجمل اسامي الخلق سموني llll
.
.
.اللهم صلي على سيدنا محمد وعلى اله واصحابه اجمعيين

look/images/icons/i1.gif بعضُ ما خبأتهُ الرياض ..
  25-05-2011 06:15 مساءً   [44]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 05-08-2008
رقم العضوية : 12,196
المشاركات : 2,877
الجنس :
قوة السمعة : 859,003,115
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة: الهدى;1640431 .........بانتظار الجزء التالي .............

دقايق ..........


المشاركة الأصلية كتبت بواسطة: Azar;1640459 :hat:



.
هلا حب :nAshOomA (33):

look/images/icons/i1.gif بعضُ ما خبأتهُ الرياض ..
  25-05-2011 06:44 مساءً   [45]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 05-08-2008
رقم العضوية : 12,196
المشاركات : 2,877
الجنس :
قوة السمعة : 859,003,115
26

السؤال فخ ، إن سألتها فقد أوقعتُ نفسي في الشَرك !
تركتُ حزنها الذي تحاولُ جاهدةً أن تخفيه ، تركتهُ كأني لم ألحظه .. مارستُ معه الهروب ..
كنتُ على مدى أسبوع أحدثها عن الروايات و قصصي و تفاصيل يومي ، أحاول إضفاء المرح ..
وكانت تحاولُ حثيثةً مواكبتي .. لم تفضفض ، لم تشتكِ لي ، لم تحاول حتى أن تستدرجني لهمومها ..
أتحدث ، أضحك ، فإذا افتقدتُ صوتها وسألتها " سارة معي " ، تجيبني بـ " أحبك " !
كانت هذه الحروف الأربعة أفضل ماأعرف في الأبجدية ، وكان تكرار هذه الكلمة يمر على السمع مرور المرة الأولى ..
لكن في هذا الاسبوع .. كانت تخيفني ، نبرتها الأشبه برنة وترٍ حزين ، كان تخيفني أكثر!


غوته يقول : لتسمع إجابةً جميلة اسأل سؤالاً جميلاً ، حسناً ، كنت أعرف أن أسئلةً مثل :
" مابك ؟ تكلمي ؟ فسري لي الأمر " تحملُ ضبابيةً معقدة !
آه ، كنت أتوق لنطق هذه الأسئلة ، لأكون لها سنداً كما كانت لي في كل أمر ،
لإشعارها أني الرجل الذي يُعتمد عليه ، الذي يهتم لأمرها ..
لكن هذه الأسئلة لا تُرمى هكذا وحسب .. هذه بحساب غوته أسئلةٌ ليست جيدة ، تستحق إجابات غير جيدة !
بقيتُ على ضفاف همومها ، تركتها تتأوه عني بعيداً ، أهملتُ انكسارها بأنانيةٍ كنتُ أرتكبها قسراً ..
عرفتُ بحدسي أن السؤال بابٌ يطل على أحد أبواب جهنم ، فتحهُ يعني اندلاع لسانٍ لاهب .. وتركتُ الباب خلف ظهري !
لم يكن هذا القرار خياراً ، كما لم يكن إجباراً .. الأسوأ أنهُ كان مزيجاً من الإثنين ..
ولستُ غبياً لأهاتفها فيجيء صوتها مبحوحاً تعلوه نغمةٌ أشبه بنغمة من يعاني زكاماً .. ثم لا أفهم !
لا، لستُ غبياً ، كان واضحاً بكاؤها لكني كنتُ أتغابى !


صعقها لي بالطلب الأخير " أريد أن أكون معك في أي مكان " ، لم يكن طلباً عادياً ..
" أريد أن أكون معك " طلبٌ مبرر بين حبيبٍ وحبيب ..
"......في أي مكان" ، إضافةٌ لاتنقصني الفطنة لأميز ماذا تعني، ولا تعوزني الفطنة لأفهم ..
أعرف جيداً ما نوعها ، وأعرفُ أنها تنازلٌ عن قناعات كثيرة ..
كانت رغم كل ثقتها ، تخشى أن نلتقي في مكانٍ يخلو إلا منا ، وكنت ألتمس لها العذر تماماً .
كنتُ بعد عشاء "الشرفة " واجهتها مرتين في السوق، ومرةً حين خرجت من مشغلٍ أنيق ،
ومرة في المستشفى حين علمت أنها تزور صديقتها ...

لم تكن لقاءاتنا هذه رسمية ولم تختلي قلوبنا ببعضها ، كانت أشبه بسرقة دقائق من حساب الوقت ، أشبه بمغامرة لذيذة ،
الأغرب ، أن هذه اللقاءات كانت لذتها لا تقل عن بقائنا الطويل في ذلك العشاء السعيد ..
ولا أظن عاشقاً اسكندنافياً يبحر مع عشيقته الصهباء فوق زورقٍ في بحيرة ستورافان بأكثر من قلبينا حبوراً بهكذا لقاءات عابرة ..
في الرياض ، وقت العشاق قليل وأماكن لقاءاتهم مجنونة كجنونهم ،
لكن بحساب المتعة والفرح تأتي أثمن من أي لقاءٍ في أي وطن آخر !

كنت أقول لسارة :
العشاق في الرياض أطفالٌ يريدون أن يلعبوا والكل ينهرهم ، تجدينهم يختلسون دقائق بسيطة حين يغفل الكل ويمارسون لعبتهم المجنونة ..
الحب المغامرة الجنون التشويق التمرد .. كل هذا لن يفهمه أطفالٌ في أوطان أخرى يملكون الحرية لأن يلعبوا متى ما أرادوا ..
هم أطفالٌ يشاركوننا ذات اللهفة والحب ياسارة ، لكنهم لا يشاركوننا جنون المغامرة ..
.. ودقيقة حب في عاصمتنا ، تعدل ساعات في أوطان أخرى !
ووحدها كانت تفهم ما أعنيه حقاً ..



أتذكر جيداً لقاء المستشفى ، أخبرتني أنها ذاهبة لزيارة " منى " صديقتها التي وضعت مولودها ، مستشفى الجامعي !
كانت تتحدثُ لي كأي يومٍ آخر ، تخبرني ماذا ستفعل وأين تذهب ثم أخبرتني ماذا ستهدي لصديقتها ،
وكنتُ ألتقط الخبر كصيدٍ ثمين أو مغامرةٍ مجنونة ...

وقفتُ يومها عند مواقف المدينة الطبية ، سألتها سؤالي المعتاد أين أنتِ ؟ قالت "لست في البيت / ندخل الجامعة" ،
وابتسمت بشيطنة طفل ، وترصدتُ لهودجها .
رأيته يدخل ويتوقف قريباً مني، ثم رأيتها قد نزلت وحدها .. كانت تمشي عبر الممر الضيق الطويل المؤدي لبوابة الدخول ..
كانت تحمل ورداً وشوكولا .. أتيتُ خلفها " تسمحين أساعدك اختي "
وقفت مذهولة ، لكني أخبرتها أن تستمر في المشي معي ولن ينتبه أحد " تحركي يا خبله لا توقفين هه " ومضينا كزوجين !
أوصلتها حتى باب المصعد ، وانتظرتُ أن يخلو بنا دقيقة لكن في كل مرة كان يمتليء .. كان وقت ذروة الزيارة ..
يومها استسلمت وركبنا مع جموع الداخلين ، وكانت تتحلق يدي غير آبهةٍ بأحد ،
ثم تركتها تمضي لقسم الولادة وخرجت ..
أرسلتُ لها وهي عند صديقتها " خسارة ، كان المصعد ممتليء! " و ردت على الفور " عطاك الله على قد نيتك ههه " !
وابتسمت وأنا انصرف .. في الرياض يكفي الأطفال دقائق من اللعب !


..ليلتها ، حدثتني عن جنوني وشغفها بي،
أخبرتني أنها من فرط سعادتها اقترحت على صديقتها تسمية المولود فيصل !
وضحكنا كطفلين معاً ..


هذا كان في أول الصيف ـ يوم كانت البسمة شعارها وشعاري ، وأحاديثنا أطايب لا تُمل ، يوم كنا نتبوأ من جنة الحب حيث نشاء ..
شيءٌ ما اختلف الآن ولست أجهل .. وأعرف أني أجبن من أن أسأل !
أشعر بهواءٍ حار بات يلفح وجوهنا، ليس الصيف !
و تلك النسمة الباردة بدأت تقل رويداً .. وتسربلني الخوف ،

ها هي فاجأتني تطلب مني بإلحاح أن تكون معي في أي مكان ..
ورحت أقلب الأمر في رأسي :
ألم يكن صيفنا فعالية قلب ، ألم نجعل من عاصمتنا سياحةً للحب ؟!
أليس كل ختام للعرض عبارةٌ عن حفل ضخم ..
حسناً ..

لم أتردد :

- في أي مكان ؟
- نعم .
- ..سارة أستطيع تدبر أمر شقة ! موافقة ؟

صمتت طويلاً ، وفكرتُ أنها على وشك الإنفجار فيني غضباً :
وأجابت بذات نبرة الحزن :

- موافقة يافيصل .

* * *


هكذا انتزعت منها هذا الوعد .. لم يكن الأمر صعباً كما توقعت ، بدا لي أنها محطمة للحد الذي لم تعد تبالي أو تفكر !
لم يضمنا من قبل سقفٌ مشترك ، لم ننعزل عن العالم من قبل ..
غرفة المطعم يومها كانت مليئةً بالضجيج الذي يلفنا ،
أن نختلي في غرفة هذا أمرٌ أعرف ماذا يعني وحسبي أنها وافقتْ !


ماذا أريد منها ؟ هل أؤذيها ؟ بالتأكيد لا ..
هل أطبق نظام الفرائس الذي حدثني به فهد ؟ لم يدر في خلدي ..
فقط أردتُ أن نكون لوحدنا طويلاً .. وحينها سأسألها عن كل شيء ،
وإن بكت ستجدني بجوارها لترتمي فوق صدري وتبكي حتى تهيد ..
حتى الجواب ، إن كان مراً .. فسأجدها بجواري لأبكي بين يديها كطفلٍ أتعبهُ الألم .
نعم سأسألها عن حزنها وذبولها .. لن أنتظر حتى تغيب عني فجأة ، أدركتُ إن الإنتظار ليس قراراً !


إن كانت ستذهب من يدي ، فـ لتذكرْني بموعدٍ لن تنساه !
بصمةٌ أطبعها في الذاكرة ، كي لا ترتكب معي الخيانة الأقسى بعد أعوام : النسيان ..
إن كانت ستفلت من يدي ، فـ سقف أمنياتي ينخفض للحد الأدنى :
أن تذكرني دوماً ، أن أحفر نفسي في ذاكرتها طويلاً ..
ولهذا رحتُ أطلب منها بكل جراءة أن تلفنا غرفة ٌ واحدة ..


أحقاً أريد منها فقط أن تتذكرني بهذا الموعد الجريء ؟
وأن أجلبها لمكانٍ معزولٍ إلا منا لأتحدث لها ؟!
أحقاً هذا ما أريده منها ؟ هل أنا الآن أستغل ضعفها وسذاجتها .. واندفاعها في الحب ؟
كنتُ أهرب من سؤالها عن حزنها ، والآن بتّ أهرب من أسئلتي لي ، أنا !

قديماً كنت أستمع المحاضرات والخطب الدينية ، كانوا يحذرون الفتيات من الذئاب البشرية ،
ونظرتُ لوجهي في المرآة ، وسألت نفسي :
هل أنا ذئبٌ بشري الآن ؟!
وأجبت نفسي على الفور ، لا .. أريد فقط الإختلاء بها للحديث ،
ألم يكن جميل يختلي ببثينة كل ليل في مواسم متباعدة ولم يطلها منه سوء ..
ألستُ امتداداً لقبيلةٍ مجنونة في العشق لها تقاليدها العريقة في درء السوء عن المحبوب !
نحنُ العذريين لا نبالي إلا بالحب ، وبمن نحب ،
لا فرق أكنّا بين جموع البشر أم ليس يرصدنا إلا ضوء القمر ..
ثم أسأل نفسي أخرى : أأنا مقتنعٌ بما أقول أم أن شيطاني يمهد لي الطريق!


" إيه ، سأذهب معك "
هكذا وافقتني ، قالتها بإصرار ،كأنها تنطق هذه العبارة من قبيل التحدي و لا أدري تتحدى من ..!
لم أخبر فهد .. وكتمت هي الأمر عن صديقتها هيفاء ..
كأننا تواطئنا أن نحجب هذا الأمر إلا عن قلبينا فقط ..
لن تستوعب هيفاء ثقتها بي .. ولن يستوعب فهد أني أريد الخلوّ بها للتناجي ليس إلا ،
وآخر ما ينقصنا .. أفواه الثرثرة !

* * *




في ليلةٍ غريبة من ليالِ الصيف ..
كانت الرطوبة عالية أو هكذا ظننت .. رائحة المطر أشتمها في الأرجاء دونما هطوله !
حين توقفت سيارتي أمام عمارةٍ في وسط الرياض ، و خرجتُ منها وخرجَت سارة ..
كان المكانُ هادئاً كبيت عقيم !
وكان الظلام يغطينا ويغطي الرياض كبحر .. كأنما نمشي في قعره لسنا نسير على رصيف !


وصعدنا الدرج نتهادى كعريسين . . ووصلنا الشقة رقم 13 .. وفتحتُ الباب ودخلنا !


أخذتها من أحد الأسواق كعادتنا ..
كنتُ سرقت دفتر العائلة الخاص بأخي من درج سيارته ، محمد أشد إخوتي بي شبهاً ..
كان كل شيءٍ يسيرُ كما أريد .. الرياض تساند شجعانها ..
الرياض تحترم شجعانها يا قلبي .. تساعدهم حين يكسرون جمودها الذي فرضه الآخرين عليها !
بواسطة هذا الورقة كنت أستأجر هذه الشقة كمسافر متعب وقف للراحة مع زوجته ..
جنون ؟ لا بأس !



أصعد وتصعد معي ، صوت كعبها يقرع الأرض ليخبرني أني لستُ أحلم وأن جنوني حقيقة ..
لا صوت في الجوار إلا صوت خطواتنا ، كأنما نسير في مكانٍ أحيط بعذاب والناس صرعى ..
آمنت أن الأرض أرضي .. وأن هذه العاصمة كأم ، لهذا لم أعد أرتكب الخوف ..
شيٌ واحد كان يقلقني :
حين أغلق خلفي وخلفها الباب .. أحقاً أريد منها الحديث ؟!
ماذا أريد منها ؟

ثم أعود لوعيي وقلبي .. وأعرف أني لن أخدشها .. وتعرف أني لن أفعل ..
وأنها وردةٌ بين يديّ لن أجعلها تذبل ..
أريد أن أحدثها، نعم هكذا ، و على انفراد عن العالم كله .. نعم على انفراد !

أريد أن أقول لها كل شيء ، وسأشرح لها كل شيء دون أن أجرحها ..
أريد أن أحتويها حين تبكي ..
ثم أعود أسأل :
وماذا بعد الحديث .. هل أريد أكثر ؟!



لم نخبر أحداً من أصدقائنا.. كأننا ندرك كمية العتاب الذي سنتلقاه!
تعرف اكثر مما أعرف اننا نتهوّر ، لكن ما في قلوبنا عصيٌ على الشرح للآخرين ..
ودخلنا وأغلقتُ الباب سريعاً .. أكنتُ أخشى دخول إبليس الذي كان يحدثني وأنا أصعد بها الدرج !
ومشينا نحو غرفتنا!

.. وجلسنا على مقعدين متقابلين .. وكنت أسمع نبض قلبها وتسمع نبض قلبي !
ودفعاً للحديث سألتها : خائفة ؟ هزت رأسها بـ لا ...لكن لم تقلها .


كان وجهها شاحباً تماماً ، ونحيلةٌ للحد الذي خِلتها سمراء أخرى ..
تباً ليدي التي تفضح توتري ، عبثاً استطعت كبح جماح رعشتها، قالت لي ذات مرة : أحب منظر العروق في يدك !
ماهذه الرعشة يايدي ، هل جرى الشيطان في عروقك الآن مجرى الدم وبدأ تحريضك !
كلما أطرقتُ برأسي ظننتنيي في حلم ، و كلما رفعته ، رأيت سارة ثم ازدردت ريقي غير مصدق!

ترتدي بنطلون جينز أسود .. تيشيرت أبيض ، وشعرها منسدلٌ للوراء عليها مسحة حزنٍ جعلتها أشهى !
كانت بسيطة ً جداً لكنها أنيقة للحد الذي ترمي بأبجديتك في التيه وعبثاً تحاول بدأ الحديث معها ..
جلست وقدمت لي مغلفاً أنيقاً .. فتحته وكان يضم درعاً فيه مباركةٌ لي
"مبروك أ.فيصل "
شكرتها .. وبدت بسمتها الشاحبة ، وذكرت ديكنز يوم قال السعادة أهم أدة تجميل ، وأردت أن أقول له حتى الحزن يجعل سارة أجمل !
وجلست أتأملها طويلا ً ..



- سارة أتعلمين لماذا جئت بكِ هنا ؟!
- لماذا
- أريد أن تحدثيني بكل شيء .. كل شيء
- فيصل
- لم أطلب منك ذلك في الهاتف ، أردتُ أن أكون بجوارك حين تتحدثين
أتظنين أني غبي لا أعرف نبرة الحزن في صوتك !؟
- آه يا فيصل .. دعنا عن هذا الحديث الآن ..

جاءت وجلست بجواري .. وضعت رأسها على كتفي ..وهمست لي :

- هل صحيح يافيصل ، أننا الآن نعيش بين هذه الجدران سويةً .. وهذا السقف يغطينا معاً
أخبرني أني لا أحلم .. أرجوك

- لا لستِ تحلمين ، أنظري انا هنا ..
مررتُ يدي على خصلاتها .. ورفَعَتْ عينيها إلي ..

..




- نعم ؟!
- افتح الباب

وفتحته ، ثم لا أدري ماذا حدث ..

آخر ما أستطيع تذكره ،
أن موعدنا امتلأ برائحة المسك ودهن العود ..ورجالٌ غاضبون يسألوني في حزم !
وعرفتُ أني أقل من حماية أنثى أحبها ..
وعرفت أن الرياض تمهل شجعانها ولا تهملهم !
وسمعت سارة تصرخ باسمي .. وبكيتْ ..
وذكرتُ حزنها ومصيري و مصيرها .. وبكيت أكثر ..
كنت أضع قميصي فوق رأسي والناس ينظرون .. وأصم أذني عن صراخ حبيبتي .. كان يخترق سمعي !
ورحت أبكي ..
وانطلقت كل سيارةٍ بقلب .. نحن القلبان الذين جئنا في سيارةٍ واحدة معاً !
ولمحتها في هودجٍ احمر ، ليس الفيرانيّ الذي أحب ..
وانهارت أحلامي و بكيت ..
أردت أن أصرخ في الجميع أحبها لم أؤذيها .. كل مابيننا حب، ولكن لن يصغوا وسيظنوني كأي ذئبٍ مفترس .
صرختها بإسمي شقت أذني .. وكنت أقل من أن تطلب نجدتي ..
وبكيت أكثر ..
وأخذت ارقب الأرصفة والشوارع وهي تمر بسرعة ، وشتمت الرياض وشتمت نفسي .. وذكرت سارة وحزن سارة وبكيت أكثر ..
لم يرحمني أحد ..ولن يرحمها أحد ،
لو عرفتُ أني سأكون في هذه السيارة الغريبة كعاجز عن دفع الأذى والفضيحة عن محبوبته ،
لو حسبت حساب أمري هذا ..
كنت أحضرت سم الزرنيخ معي .. وابتلعته الآن ، أي هوانٍ كنتُ فيه وأنتِ تصرخين بإسمي وأعجز عن إجابة !
ورأيتُ الرياض على حقيقتها وأنا مكومٌ في الخلف بين اثنين لا أعرفهم .. وعرفت أنها تخاتل العشاق ولا ترحمهم ..
وشعرتُ بها هازئةً بحزني ..
وعرفت ان الرياض مدينة لا ترحم عشاقها .. بل تسفكهم على قوارع طرقاتها ..
وأنها لا تشجع المتمردين على كسر خصوصيةٍ كنت أظنها لا تُريدها .. بل كانت تؤمن بخصوصيتها وتعاقب المتطاولين عليها !
ورأيتُ الأرصفة والبنايات والسيارات المتكدسة في الشوارع كلها تلوك إسمي، كانت تمر سريعاً أمام عيني ..
وأغمضتُ عيني..وقلت ليت الحياة كابوسٌ نُفيق منه فجأة .. وفتحتُ عيني .. وعرفتُ أني انتهيت ..
لماذا لم أنتبه لرائحة المطر الموحشة هذا المساء .. كان نذير خيبة ..
ولماذا لم أقرأ رقم الغرفة جيداً " 13 " كان رقم الشؤم عالمياً
لماذا حين كنت قريباً من سارة حد القُبلة ، دب البعد فجأة ! يالسخرية الرياض
ورحت أبكي .. وأعادت ذاكرتي اللعينة صوت صرختها بإسمي .. صرختها الخائفة .. وعجزي عن إنقاذها من حريقٍ سيندلع في سُمعتها ..
وبكيت أكثر ، لم يواسيني أحد ..
من وشى بي ، متى تبعوني .. لست أدري..
كانوا يرددون من حولي كلمةً أدمتني، يكتبونها في أوراق تخصني وتخصها ،
وأعرف أنها لن تنتهي عند لحظة حزني هذه :

خلوة .. خلوة غير شرعية !


look/images/icons/i1.gif بعضُ ما خبأتهُ الرياض ..
  25-05-2011 07:26 مساءً   [46]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 14-02-2009
رقم العضوية : 25,340
المشاركات : 7,730
الجنس :
قوة السمعة : 1,238,127,908
متى بيخلص سرد القصه:nosweat:
توقيع :Azar
من جيت عالدنيا واول مزاياي باجمل اسامي الخلق سموني llll
.
.
.اللهم صلي على سيدنا محمد وعلى اله واصحابه اجمعيين

look/images/icons/i1.gif بعضُ ما خبأتهُ الرياض ..
  25-05-2011 07:29 مساءً   [47]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 05-08-2008
رقم العضوية : 12,196
المشاركات : 2,877
الجنس :
قوة السمعة : 859,003,115
لسه اليوم خلصنا الجزء الاول
:3leahm:

look/images/icons/i1.gif بعضُ ما خبأتهُ الرياض ..
  25-05-2011 07:36 مساءً   [48]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 14-02-2009
رقم العضوية : 25,340
المشاركات : 7,730
الجنس :
قوة السمعة : 1,238,127,908
هلا انتا قراتو للجزء الاول:haa:
توقيع :Azar
من جيت عالدنيا واول مزاياي باجمل اسامي الخلق سموني llll
.
.
.اللهم صلي على سيدنا محمد وعلى اله واصحابه اجمعيين

look/images/icons/i1.gif بعضُ ما خبأتهُ الرياض ..
  25-05-2011 07:47 مساءً   [49]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 05-08-2008
رقم العضوية : 12,196
المشاركات : 2,877
الجنس :
قوة السمعة : 859,003,115
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة: Azar;1640680 هلا انتا قراتو للجزء الاول:haa:
ايوة :nosweat:

look/images/icons/i1.gif بعضُ ما خبأتهُ الرياض ..
  25-05-2011 07:49 مساءً   [50]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 05-08-2008
رقم العضوية : 12,196
المشاركات : 2,877
الجنس :
قوة السمعة : 859,003,115


" الــجـزء الـثــانـي " / 1

27


شهران مرّا كأنهما الدهر .. سارا على مهل .. في كل يومٍ كنت أموت سبعين مرة !
شهران انسلخا من عمري كأي ورقةٍ مُزِقَتْ من كراسةٍ لا تحوي في سطورها شيئاً ..
هل كنت حياً .. نعم ، هل كنت ميتاً .. نعم .. حُطام إنسان وأشلاء قلب ..
وعرفتُ أن الموت ليس النوم في كنف المقابر ..
بل أسوأ أنواع الموت ، ذاك الذي تعيشه في غرفتك وبين أهلك وأنت معدودٌ من الأحياء زوراً !

شهران مرّا كقافلةٍ مثقلة بأحمالها ، تنوء جِمالُها الهزلى بالتعب ، سيرها رتيبٌ أشبهَ بوقوف !


شهران وأنتِ ياسارة حلمٌ لا يفنى في مناماتي ، وطيفٌ يستبد بذاكرتي ، ووجهٌ يبرز في كل وجهٍ أراه .. وصوتٌ أسمعه في كل نبرة !
شهرانِ ما أنا إلا شيخٌ ثمانينيٌ يرفل في العشرين ، ممزقٌ أحاول الثبات أمام أهلي وطلابي وتفضحني عيونٌ تُثرثر بحزني لكل ناظر !
شهران ، كل وقوفي إنحناء و كل بسماتي بكاء ..
حتى مشيتي لم تعد هي مشيتي ، صيّرني الهم محدوب الظهر .. أشعر بحدبةٍ تنام في ظهري وهم لا يشعرون ..
شهران كان الدمع نديم الليل .. وصديق عزلةٍ عدتُ لها جبراً .. عدتُ لها رجلاً أعمى يسير بلا عصى !


قبلكِ يا سارة .. كانت عزلتي باختياري ، تركت المدينة وصخبها خلف ظهري .. مستمتعاً بوقتي ..
بعدكِ ياحلوتي .. ما عادت عزلتي خياراً ، صارت مرضاً نازلاً وإقامةً جبريّة ، بتّ أخشى الناس .. أقرأ في عيونهم حديثاً تكتمه أفواههم !
آه ياسارة .. شهرانِ لا أدري أأنتِ هنا في عاصمة الأشباح ، أم تلقفتكِ ديارٌ جديدة ..
بل أعظم من ذلك .. أأنتِ من الأحياء فأرتجيك ، أم مع الموتى فأبدأ الندب والرثاء حتى أنسى !


شهرانِ مرّا بعدكِ .. بعد غيابك .. كأنما فقد الكون فيها جماله .. كل شيء استحال شبحاً لما كان عليه يوم كُنا معاً !
زرقة السماء و روعة الغيوم وخضرة الأشجار .. كل شيءٍ بَهَتَ في بصري..
أدركت أن الحياة بعد من نحب ، كالعودة لشاشة الأبيض والأسود بعد إعتيادنا البث بالألوان !
وأدركتُ أن شيشرون كان يعنيني حين قال ، أشقى أهل الأرض ، من يحمل ذاكرةً قويّة وذكرياتٍ مرة .


آه سمرايَ البريئة ..
صرختُكِ في أذني قبل شهرين ، في تلك العمارة الكئيبة ، في تلك الليلة الدهماء ..
صرختكِ تلك ، توقظني كل ليلٍ لأبكي ، تأتي كأنها عقاربُ ساعةٍ تدقّ لتقول قُم وابدأ تراتيل الدموع ..
أسمعها الآن ، أسمعها وأنا نائم ، وأسمعها بين ضوضاء طلابي وأسمعها وأنا أصغي لأمي !
" فيييييييييصل " صرختكِ لم تكن أربع حروف ، وضعتِ بعد الصاد ألِفاً ممدودةً كسكينٍ تمزقني..يا لحرف المد الممتد كنصلٍ غادر ..
نطقتيهِ في إسمي دخيلاً خامساً ، هو الآن ما يعبث بملامحي كريشةٍ هوجاء تلطخ لوحة .. كل ما طنّ في أذني تمعّر وجهي وصَمْمتُ أذني أشبه بنوبة صرع !


كان إسمي غريباً يوم اقتادوك من ذاك السلّم المدروج .. يوم صرختِ بإسمي ،
آه لو لم تصرخي .. لكنتُ الآن في حرزٍ من بعض هذا الأذى !
أكان نداءً أم عتاباً .. أكان طلب نجدة .. أكان ندباً وبداية مشاريع الرثاء !
أم هل صدقتِ أني رجلٌ يحميكِ كل مرة !
يا لهواني يومَ رأيتكِ تركبين هودجاً ليس هودجك الأثير ..
كنتِ تتلفتين في الجموع الغاضبةِ بحثاً عن وجهٍ مألوف ، كنتِ بين الغرباء تُقتادين أشبهَ بمجرمة ،
وصوت بكائكِ يركبُ الفضاء محمولاً لسمعي .. يزفه الهواء كشامت !
كنت أراكِ وأخشى أن تقع عينك على وجهي الباكي .. بحثتِ طويلاً ولم يرحم دموعك رجلٌ يصرخُ فيك " اركبي يالله " ..
ولا متطفلون أطلقوا لهواتفهم متعة التصوير ..
كانت فلاشاتهم حريقاً يندلعُ في قلبي .. وأردتُ أن أنطلق فيهم ضرباً لكن كنتُ في قبضةٍ أقسى من الفولاذ ياسارة .. فهل تعذُرين !



آه يا تلك النظرة التي بقيت معي ستين يوماً .. وستبقى معي حتى أموت ، لن يحميني منها رجلٌ قويٌ اسمه النسيان !
يوم دارت عيونكِ في الحشد المخيف ، كأنما تبحثين عني ..
وقبل صعودك تلاقت عينيك بعيني .. وذكرتُ ماجد يوم التقت عينانا أول مرة .. وأردتُ أن أقول لعينيك انصرفي ولكن طال مكوثها في وجهي !
نظرتِ لي وشعرتُ بسؤالكِ يصفعني : أحقاً انتهينا ! أحقاً كنا قبل قليل نستعد لقبلة ! كيف صرنا هكذا يا فيصل كيف صرنا ..
لم ينقذني من عينيكِ إلا لكزةٌ من رجلٍ كان خلفي ، وأردتُ شكره .. كان ملاذاً من عينيك الحزينة .. آه ياعينيك .. كانت جميلةً رغم رعبك !



شهرانِ منذ أُخذنا غيلةً .. منذ هجموا علينا كـ نسخٍ عديدة لعزرائيل ، لكنّ عزرائيل أرحم .. كان سيُنهي كل هذا الجدل ويتركنا للسبات الطويل ، لكنهم لم يفعلوا !
فرقونا حتى في السيارات ياسارة ، وضعوني في سوداء بلون الليل .. ووضعوكِ في حمراء بطعم الدم .. وانطلقوا بنا ..
نحنُ الذين لم نؤذي أحداً منهم .. كل ذنبنا أنّا آمنا بالحب في بلدٍ تكفر به!
نحن الذين جئنا في سيارتي البيضاء .. غادرنا على أخرياتٍ ليست لنا ولم نأتِ بأي منها ..
جئنا لموعدنا كطائرين رفرفا لعشٍ يجمعهم ساعةً من ليل ، وغادرنا لوكرٍ أشبه بكهفٍ في جبلٍ لاتعرفهُ خريطة !
جئنا وكانت يدي تضم يدكِ ياسارة .. و رحنا وأيدينا تضمها أيادٍ خشنةٌ لسنا نعرف أصحابها..
راحوا بنا .. قطعوا الطريق على ليلتنا الموعودة .. اقتادونا دون أن نعرف تهمتنا .. كتبوا خلوةٌ غير شرعية ولم يكتبوا الحب ياسارة ..
اتهمونا بالفجور لم يتهمونا بتهمتنا الحقيقية .. أكنّا فاجرين ولم نعرف ؟!


مضوا بكِ أمام عيني ، اقتادوكِ جبراً ولم يأبه لصرختكِ منهم أحد .. لم يأبهوا لانكساري !
روسوا يقول : الإنسان أرخص سلعةٍ في السوق ، في الرياض ماذا عساه يقول !!
ألم يعرفوا أن لي معكِ أياماً جميلة ..وأحلاماً كبرى..ولي هيبةٌ في قلبك واحترامٌ لم تمحضيه لبعض محارمك حتى !
يظنون أني مجرد ذئب ليس يحملُ شرفاً ولا قلباً ينبضُ عاطفةً ، أهانوني أمامكِ وأنتِ تنظرين لي أشبهَ بعاجز!
نسوا أن الحبيب قريب .. ولهُ بعض كرامة !
لم آبه لنظراتِ الناس، أقسم بالله كنتُ خجلاً من عينيك أنتِ..

مضوا بنا ..كنا قلباً وحيداً وجسداً وحيداً .. شطرونا لنصفين وانطلقوا بنا ..
وارتفعت نداءاتهم اللاسلكية كقابضين على مروّجين لهيروين .. وأردتُ أن أقول روّجنا حباً ليس أكثر وخشيتُ منهم !
وتوقفت سياراتنا أمام أول إشارة ، كانت حمراء كبقعة دم ..كـ دمي ودمك المسفوك غيلة ..
ورأيتُ بين جموع السيارات هودجك الجديد ..وسمعتُ صوت بكائكِ رغم الزجاج ورغم ضوضاء المدينة ..
وبكيتُ في تلك الدقيقة مالم يبكيهِ يعقوب على يوسف أعداد السنين ..
ولم أجد حضناً يحتويني إلا باب السيارة الذي يلاصقني .. رميتُ خدي على نافذته وبكيت وكان يسندني ..
أليس غريباً ياسارة أن يرأف بك حديدٌ ويقسو عليك البشر !



آه ياسارة ..
وامتطوا بنا طرقاتٌ لم نكن نعرفها .. ما عرفنا أننا في يومٍ سنسلكها مع آخرين يقودوننا كأسرى حب .. أسرى حرب !
آه .. لو عرفنا .. آه .. لو كنت عرفت نهايتي وهواني الآن .. لكنتُ قمتُ من طاولة ماجد أول يومٍ جئتِ حاملةً جهازك !
لكنتُ غادرتُ المكان لو كنتُ أعرف أن نهايتي معكِ خذلانك ..
و كنتُ مزقت رواية الأبله ولم أهديها إليك ولم أكتب لك فيها رقماً أودى بكِ في هذه الهودج الأحمر البعيد عن مرآي ..
لو كنت أعرف أن نهايتنا تهمة حب ، وقيودٌ على قلبينا قبل معصمينا ..
لكنتُ نهرتك يوم قلتِ لي " رائعةٌ رواية أحلام هذه " ..وقلت لك " انصرفي " ولم أفرح بحوارك ذاك ..
يا لذاك الحديث البعيد .. أبعد من طيف ابتسامة !



يومها ياسارة .. بكيتُ بينهم مرتين ، عليكِ وعلى نفسي .. وقلتُ دعوها واقتلوني .. وصرخ بي من لستُ أعرفه " اخرس " وخشيتهم ..
أي جبانٍ أنا وأي اختيارٍ لحمايتكِ اخترتي !
سألتهم " ماذا ستفعلون بها " لم أقل ماذا ستفعلون بي .. وفتشتُ في أسمائهم عن قبيلتي ولم أجد إلا الغرباء ..
وأردتُ أن أقول اسألوا إمام مسجدنا و عميد كليتنا و أبناء حارتنا ..
لستُ سيئاً .. ما أنا إلا رجلٌ أعطاهُ الله قلباً فأحب .. وبصراً فعشق .. وأردتُ أن أقول لهم عذبوني واتركوها .. لكني جبان ..
..جبانٌ يا من صرختِ باسمي تطلبين الغوث !



يومها هاتفتُ أخي ، أخبرته بكل شيء .. أعطيتهُ اسمك الرباعيّ .. قلتُ أدركها قبل أن تغرق .. لكنهُ أخي ..
لن يعرف عاطفةً تدب في سويداء قلبي ..لن يعرف إلا عاطفة الأخوّة ، تحرك فوراً لأجلي فقط !
سامحيني ..
ولبثتُ في الغار أياماً ثلاثة .. كنتُ أدعي الله فيها .. " ربّ أدركها .. ربّ إنها حزينةٌ قبلي فلا تزدها بعدي " ونسيتُ أن أدعي لنفسي ..
آه لوتدرين ..أتُراكِ تصدقين ؟ نسيتُ أن أدعي لنفسي ..
واستجوبوني كمن حمل حزاماً ناسفاً ألقوا عليه القبض قبل ممارسة إرهابه ..
أنا الذي كل ذنبي أن حملتُ قلباً محباً .. وعاطفةً بريئة ..
" جلبتُها للحديث " وقهقهوا حولي .. وصرختُ ليتأكدوا أن صوتي ليس عواءً .. لستُ ذئباً غادراً .. ولم يكلفوا أنفسهم أكثر من تجاهل !



آه ياسارة .. أقطعُ الطريق من الرياض إلى الخرج كل صباح .. وتقطعينهُ معي وأنا الذي لم أسمع صوتكِ شهرين كاملين !
وأعودُ ظهراً فتعودين معي .. أحدثكِ كمجنون ، أسوق لكِ الأعذار لكن لستِ تجيبين ..
ألمسُ اسفنجة المقعد المجاور أتحسسكِ أنتِ التي كنتِ هنا قبل شهرين .. أين أنتِ الآن مني !؟
صرتُ مجنوناً يحدث نفسه .. وذكرتُ مجنون ليلى وعرفتُ أن الحب دربٌ للسعادة وعشرون درباً للمهالك والجنون ..
شهرانِ كلما قام طالبٌ تلوحُ على سحنته سمرةٌ خفيفةٌ تشبهكِ سرحتُ عن جوابهِ وذكرتك !
شهرانِ كأن القدر يستمتع بعذابي ، وضع لي في الفصل طالبين ينتهيانِ بذات اسم عائلتك .. صدفةٌ مغلفةٌ بالعذاب ..
أتصدقين .. كنتُ أنطق أسمائهم الثلاثية وأحجم عن نطق عائلتك، كنتُ أخجل منكِ رغم أنكِ لا تسمعي !



في اليوم الثالث زفّ لي البشرى أخي ، جاء ينقذني من غار الأمر بالمعروف !
أدركني قبل أن تحوّل قصتي لهيئة الإدعاء العام وأقضي حكماً نافذاً من قاضٍ لن يؤمن أني شابٌ عاشق لست ذئباً كاسراً ..
وسألته "ماذا بشأن سارة " .. وغضِب مني ودفعني أمامه ..
وخرجتُ من ذاك المكان كخارجٍ من كهف .. كهفٍ أظلم .. وشعرتُ بالشمس تطحن بصري .. وأردتُ أن أسألها عنكِ ولم أعرف لغة الشمس ..
كنت أريد أن أقول لها " هل خرجت سارة ، هل رأيتيها أطلّت من هنا " ! كنتُ في شغلٍ عن نفسي ولم آبه إليّ ..
يومها ، أخبرني أخي أن شيخاً من شيوخ قومي .. حدّثَ شيخاً من شيوخهم .. فأخرجوني غافرين لزلتي ، قابلين شفاعتهُ الحسنة مقيلين لعثرتي ..
ياسارة ، كانوا يحتاجون اتصالاً ساخناً ليصدقوا أني لستُ ذئباً!
وذكرتكِ ياسارة .. وذكرتُ كلمةُ كتمتُها ولم أبدِها لك .. لحاجةٍ في نفس عاشقكِ .. يوم قلت " تعملُ الأسماء أكثر .. في الرياض " !


ومضى بي أخي يخبرني معزياً أن لكل منّا مغامراته ،
وقلتُ له في نفسي " المغامرة هناك ، في تسلق الجبال ومصارعة الأسود والمشي فوق الجمر ، أنا هنا كنتُ محباً لستُ مغامراً "
وأخبرني أن أمري في حرزٍ من الذياع .. ولن يعرف بأمري غيره .. وسألته عنكِ فأخبرني أن كل إنسانٍ لهُ ذووه يذودون عنه ..
وسرَت في قلبي مرارةٌ ليس يدركها أخي ، هل سيرحمك إخوتك وأهلك ، هل سيقولون لكِ كما قال أخي لا تثريب عليك !
هل آذوكِ .. هل أُحيلت أوراقكِ نحو المحاكم يا حلوتي ؟ يا ألله .. أذلكَ الحُسن يدلفُ للمحاكم !
كانوا يقولون لي " تتدرج الإختلاءات ، واختلاؤكم من أشد الإختلاءات تعقيداً " ولم أفهم مايقولون ..
هل ياترى سيصدقون أن جميل يختلي ببثينة ليضع يدها فوق صدره وينام قرير عين ، ماكان عربيداً ولم تكن فاجرة !

وذكرتكِ يوم قلتِ " عدني ان تحب الرياض ، مهما حدث لا تكرهها " وكرهتُ وعدي لك !
أي عاصمةٍ هذه التي سفكت دمي ودمكِ في الأشهر الحرم ، لم تأبه لطفولتنا ولا شقاوتنا البريئة .. أحقاً كنتُ أظنها أماً لي !
كانتْ تواري وجهها عني .. تعرفُ أني غاضبٌ منها .. شعرتُ بها تزور عني .. تتجافى عن عيوني ذات اليمين وذات الشمال ..
آه لو أعرف أبجدية الأمكنة لقلت لها " تباً لكِ يا أماً تقتل أطفالها " !
ولجأتُ لكأسي .. وصرتُ أنهل منه بحثاً عن النسيان يا سارة ..

آه ياسارة .. حتى كأسي الذي أدمنتهُ كلاجيءٍ إليه من عقلي .. كانت صورتكِ تتراقص على سطح مائه !
حتى رائحتكِ تغلبُ رائحته الفاغمة .. وأهذي بكِ في سكرتي كما أهذي في صحوتي .. لجأتُ للشُرب علّ الشُرب يهرس ذاكرتي !
أعبّ كأساً بعد كأسٍ لأنسى .. وتنقضي قنينةٌ بعد أخرى وليس للنسيان نيّة حضور !
وتحمرّ عيني على وقع شُربي .. ويلتهبُ جفنيها على سجائر فهد .. فيسقط الدمع منها مالحاً .. أتلمظهُ فأعرفُ أن عيني دامعة !
لستُ أدري أكانت مهتاجةً من تلبد الدخان فيها ، أو أنني كنتُ أبكي !


ويعزيني فهد ..ولستُ أصغي .. يا للعزاء الرديء " طالما أنك بخير وأمورك انقضت على خير تجاوز الأمر " أتجاوز ماذا ..
هل سمعتِ ياسارة عن رجلٍ أزال قلبه عن جوفه ، وضعهُ على الأرض وطمر فوقه ! أي تجاوزٍ إلا الموت !
أين عشاء الشرفة و موعد المستشفى و فرحتي بكِ في غرفتنا يوم تقابلنا .. كل تلك الساعات من السعادة لا تقارن بألم لحظةٍ من لحظات غيابك !


شهرانِ حتى صلاتي لم أعد أؤديها .. فقدتُ الإتصال الروحي .. فقدت إيماني ..
وجدّفتُ كثيراً وأظنني ألحدتُ سِلباً ، لم أجد إلا صدماتٍ تصرخ فيني بالشكوك في كل شيء !
فقدتكِ و فُضحتِ و وتعذبتُ كثيراً .. رحتُ أسأل نفسي عن جدوى كل شيءٍ كنت أؤديه قبل هواني ..
وكفرتُ بكل شيء .. وآمنتُ بأني أتمرغ في الوحل بعد الوحل حتى صدغ رأسي !
ماهو الإيمان .. لستُ أدري .. لماذا خُلقت .. لستُ أدري .. ماذا بعد موتي .. لستُ أدري .. لمن أشتكي .. لستُ أدري ..
كلما ارتفع صوتُ آذانٍ سألتُ نفسي أسئلةً لا أملك إجابتها .. واقتنعتُ أخيراً أن كل شيءٍ كنتُ أمارسهُ مثار شك ..
وقرأتُ كتباً لم أكن أقرأها .. ووصلتُ لاقتناعٍ تام لو قلتهُ لكِ الآن لغضبتِ ..


آه ياسارة .. تزلزلت الأرض من تحتي ..ثارت براكين قلبي عليكِ حمماً ترتقي لأعلى ، لعقلي ، فيلتهبَ على سخونتها حتى يكاد يهذي !
فقدتُ كل شيء يوم ملكتُ كل شيء .. فقدتكِ يوم عينيكِ التقت بعينيّ وكنا نقتربُ من قبلةٍ دافئة .. حين دبّ البُعد فجأة !
كان طموحي أن أكون معلماً وقاصاً ناجحاً و قريباً من عاصمتي .. وتحقق كل شيءٍ وذهبتِ وذهب معكِ كل شيء ..


وقفتُ أمام بيتكِ أياماً طويلة .. وكانت غرفتك ظلماء كأنما طُليت بحبر .. وسائقكِ يخرجُ كثيراً بدونكِ أنتِ .. وأردتُ سؤاله وخشيتُ أن يشي بكِ ..
لربما لا تنقصكِ فضيحةٌ أخرى فأحجمتُ وابتلعتُ سؤالي كخبزةٍ يابسةٍ يبتلعها طفلٌ جائعٌ فقير..
وحلمتُ بكِ كثيراً .. كان حلماً يتكررُ كل مرة :
تجرينَ خائفةً وشعرك من ورائكِ يرقصُ للهواء .. وأمسكُ بكِ .. وأشعر بأنفاسكِ أسرعَ من طرف عين .. وأسخنَ من خماسين صيف :
سارة توقفي أين تمضين .. وكنتِ ترفعين يدي لأعلى وتنفضينها لأسفل ..وتصرخين دعني فيصل سيمسكوني .. وأسألكِ منهم فلا تجيبين ..
وأصرخُ فيك : لماذا كنتِ حزينةٌ يوم التقينا .. فقط قولي لماذا كان انكسارك قبل أن يدهمونا ..
فتنظرين لي بعينٍ باكية وتواصلين الركض ..وينقطع الحلم !
..لأقوم على كثير دمعي و أنين صوتي و أبكي حتى يحين صباح الخرج فأمضي والنوم كأسٌ لم أشرب إلا ثلثه!


هاتفتها كثيراً .. كانَ الهاتف يصرخ فيني " الهاتف المطلوب مغلق حاول الإتصال مرةً أخرى " .. كنتُ أستمع لهذا التسجيل حتى ينتهي فأقفل !
وقبل اسبوعين ... صرخ بي " تأكد من الرقم الصحيح وشكراً ".. وشعرتُ بشكراً أشبه بكلمةٍ تأتي بعد صفعة .. أي شكرٍ يتقبلهُ المرء حين خيبة !

بعد ليلةٍ ليلاء .. اختلط فيها دمعي بشُربي ، وغاب فيها عقلي كغياب سارة .. وهذيتُ بها جهراً كما أهذي بها سراً في صحوي ..
كنتُ أعود من الخرج كعادتي في القائلة..سارحاً بسارة .. غياب سارة .. غموض سارة .. مصير سارة ..
في منتصف الطريق ،
عند إحدى المحطات البتروليّة،
عند البقّالة المزحومة ،
أمام البائع الذي يتناول مني قيمة قارورة الماء لأجفف ريقي وأعود لأفكر بسارة ..
صاح جوالي بمكالمة رقمٍ لا أعرفه..


بصوتٍ متعب أجبت :

- ألو

- فيصل ؟

كان صوتاً نسائياً ..

- نعم مين معي ..

- انا هيفاء .. هيفاء صديقة سارة ..


يتبع ...


اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد
الصفحة 2 من 10 < 1 5 6 10 > الأخيرة





الكلمات الدلالية
لا يوجد كلمات دلالية ..









الساعة الآن 12:31 AM