أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم في JO1R FORUM | منتديات شباب و صبايا الأردن، لكي تتمكن من المشاركة ومشاهدة جميع أقسام المنتدى وكافة الميزات ، يجب عليك إنشاء حساب جديد بالتسجيل بالضغط هنا أو تسجيل الدخول اضغط هنا إذا كنت عضواً .

بعضُ ما خبأتهُ الرياض .. | الصفحة 4

فصل كامل وما خلصت :haa: هاي رواية قصيرة افقعلك جزء الصبح مع فنجان قهوة وجزء قبل ما تنام بنخلص ب19 يوم :nAshOomA (21):


اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد

الصفحة 2 من 10 < 1 4 5 10 > الأخيرة


look/images/icons/i1.gif بعضُ ما خبأتهُ الرياض ..
  18-05-2011 12:37 صباحاً   [31]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 05-08-2008
رقم العضوية : 12,196
المشاركات : 2,877
الجنس :
قوة السمعة : 859,003,115
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة: JOKER;1630731
الله يبشرك بالخير 38 هدول كم بدهم حتى نخلصهم

قضيت ع مستقبلنا الدراسي انت هيك مستر هاشم





اختيار موفق حجي
قصة ب 38 جزء هدول متى بدنا نخلص قرايتهم
ذكرتني بقصة انت لي
هديك خلص الفصل الدراسي و انا لسا ما خلصتها
فصل كامل وما خلصت :haa:
هاي رواية قصيرة
افقعلك جزء الصبح مع فنجان قهوة
وجزء قبل ما تنام

بنخلص ب19 يوم :nAshOomA (21):

look/images/icons/i1.gif بعضُ ما خبأتهُ الرياض ..
  18-05-2011 05:11 مساءً   [32]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 05-08-2008
رقم العضوية : 12,196
المشاركات : 2,877
الجنس :
قوة السمعة : 859,003,115



21

ها هي شمس اليوم الثالث من القطيعة تدنو للمغيب ، عدتُ لعزلتي مجبراً غير مختار ،
أضعُ يدي خلف رأسي وأتمدد في سريري رانياً للسقف أشبهَ بمحنط !
لم أهاتف سارة منذ خصامنا يوم الجمعة ، لم تتصل ، ولم أعد للشقة منذ اشتباكي مع فهد ... وتغيبتُ عن الكلية هذا اليوم !
أنظر للتقويم مكتوباً عليه " الاثنين " : أي اثنين !؟ ما أنا إلا واحد !
صوتي بلعهُ الصمت ، نظراتي باتت ذابلةً جراء نومي المتقطع ،
كل ماتقلبتُ في نومي ذكرت سارة ورفعتُ الهاتف أبحث عن مكالماتٍ لم يرد عليها فلا أجد !

شككتُ حتى في أمر هاتفي ، ربما فُصِلت عنه الخدمة .. ربما لا يستقبلُ المكالمات لخللٍ فيه ..
أتصلُ من هاتف بيتنا على رقمي وحين يعلو رنينهُ ألعن حظي !
غضِبَتْ مني وباتت مصدومةً فيني ، بالتأكيد تبخر حلمي الذي توقعتهُ قد صار في قبضتي .
لماذا أهنتها ؟ لماذا أخذني الحماسُ لعاداتٍ أرفضها !؟ لماذا استيقظتْ عصبيّتي فجأة .. وأنا الذي كنتُ أدين كل أشكال التفاخر والتعصب !

الإهانة أسوأ ما نوجهه لشخص ، هي صفعةٌ على الخد ينفذها اللسان !
تستحيلُ الحروف وابلاً من الرصاص أشد أحياناً من رصاص الأسلحة ..
أتذكرُ براءتها معي ، شوقها لي، فرحتها بصوتي حين يجيء عبر الهاتف ، وأشفقُ عليها مما سببتهُ من ألم .. بالتأكيد تألمتْ !
مسكينة ، كانتْ تشجعني وتحتفي بي ، صوتها هتوفٌ بإطراء قصصي ، كانت تسألني حتى عن بحثي وماذا أنجزت فيه ، أطيبَ من أن أُسمعها ما تكره !
لماذا فعلتها ؟!

حين كنت أُهاتفها كانت تحلّفني كطفل : هل انتهيتَ من مذاكرتك ؟ كانت كأم ، وكنتُ أحلف لها مستغرباً ...
فـ تقول أخشى أن أكون عائقاً لتحصيلك ، وإلا فالشوق الذي في داخلي أكبر مما لديك !
لماذا كنت حاد النبرة معها !؟ لماذا شككتُ في أخلاقها .. لماذا ؟!

ربما الآن هي تبكي ، بالتأكيد صدمتُها ، نعم ، من السخف تلطيف الأمر .. ليس الأمر إلا صدمة .
أن تقولَ لأحدهم لفظاً إستعلائياً هذا يعني أنك لا تأبهُ له، هذا يعني أن كل أحلامهِ التي رسمها معك ..باتت خيبة !
وأعودُ أندبُ حظي : لماذا أضعتُ الحلم من يدي يوم طويتهُ كحبلٍ مشدود فوق كفي !

ما في هذه الغرفة المظلمة إلا أنا وصوتُ مفاتيح هاتفي حين أمر عليها .. كانت كأنين !
أقلب رسائلها في صندوق الوارد، المسكينة في غضون أسبوع فقط أرسلت لي قرابة السبعين رسالة..
رسائلها تشبهها ، متنوعةٌ تماماً ، حيناً أشعارا وحيناً مجنونة وحيناً سخريتها المحببة وأحياناً أديبة بشذراتٍ مما راقها في الأدب ، وعاطفية أحياناً كثيرة .
كانت كما هيَ تماماً ، تأتي كقبيلةٍ من النساء ، ألفُ أنثى في جسدٍ واحد ، تملأ عينك تماماً بحيث يستحيل أن تبحث عن أخرى !
هل ظلمتها ؟ هل قسوتُ عليها ؟! لا أدري ، أنا فقط متعب ، وحزين ، وهذه الغرفة بل هذا الكون كله لم يعد به من الأكسجين ما يكفي !


أتهادى بين رسائلها ، كل رسالةٍ منها كانت تذيّلها بإسمها ، يالنرجسيتها الجميلة ، تعشق اسمها حقاً !
كانت تختمُ رسائل الشوق بـ " سارة/سارونة" ، وأي بيتٍ يأتي ممهوراً بهذا الإسم فهو جميلٌ وإن كان ركاكة !
ليس كل ماكانت تكتبه لي منقول ، كثيراً مما تكتبه لي كان من تدوين حرفها .. وأروح أقرأ :

- " زوج رحاب عاد من باريس ، ستعودُ لمنزلها ، مقاطعاتها لنا كل ليل ودخولها المتكرر غرفتي سيزول منذ اليوم ..
لا أدري أين أصلُ معك يافيصل، كنتُ أحب مجيء أختي كثيراً، كانت تؤنسُ وحدتي ، لماذا أفرحُ بمغادرتها الآن ماذا جرى ؟! سارة "

هه ، رجعتْ رحاب أو لم ترجع .. الأمر انقضى !

وأمضي بين الرسائل بحثاً، و أقرأ :

- " اذا طلعت من القاعة كلمني ، لا أريد أن أنام قبل سماع صوتك ، صحيح ان صوتك ليس جميلاً لكن المشكى الى الله ما أنا إلا مجنونة هههههه ، سارونة "

وأتذكر حين كنت أضحكْ في القاعة وأنا أقرأها ، يا لسخريتها اللاذعة المحببة ، كنتُ كتبت لها من تحت الطاولة :

" يبدو أني مثل فريد الأطرش، أصواتنا ليست جميلة لكن شعبيتنا هائلة ! "

ردت على الفور برسالةٍ تكتبها من سريرها وتبعثها لي في قلب القاعة :

- " فريد يتميز في العزف لهذا ربما اشتهر ، لا لست مثله سيد نرجسي ، الرواج الذي يلقاه صوتك عندي شبيه برواج شعبولا، حتى الآن مازال غير مفهوم !"
هل كانت قادرةً على إضحاكي بسهولة لأنها بارعة ، أم لأني أستلطفُ كل شيءٍ يجيء منها ؟! لا .. هي حقاً لاتُجارى في المرح !

ويمشي إبهامي عبر بريدها متنقلا ً :

- " لا تحسب اني دالهٍ عنك ناسيك ، دقات قلبي كلها تقول وينك، سارة "

أذكر جيداً متى وصلني هذا البيت ، كانت كتبته لي يوم أغلقتُ الهاتف بعد أن بلغت فاتورته الحد الأئتماني ، يا ألله ، كنا في أوج انسجامنا حينها ..
..و صارحنا بعضنا بالحب ذاك الليل ! ، دقات قلبي كلها تقول وينك ، حسناً ، الآن ياترى هل تقول هذا البيت ، هه لا أظن !

وأبدأ الهواجس والتفكير ، عبثاً أحاول مقاومة السرحان فيها ، كان كل شيءٍ يرمي بي في أتونها لأفكر :
بالتأكيد هاتفتْ صديقتها هيفاء ، بالتأكيد قالت لها بأني صُدِمت في فيصل الذي حدثتك عنه طويلاً ياصديقة .
هه وصديقتُها ككل البنات الأخريات، لاتعرفُ التهدأة ، فقط تعرف أن تزيد النار حطباً .
تلوكني الألسن ربما ، أو ربما هيَ وحيدةٌ تبكي الآن ، لا ! بل ربما هي في نزهةٍ مع سائقها تلف الرياض على أنغام راشد !
أحقاً هذه ثلاثة أيام !؟ تراودني نفسي عن الإتصال بها فأستعصم : " يبدو أني صفحةٌ طويت " .

ترددتُ كثيراً على مكتبتي في ركن الغرفة ، حاولتُ التماهي مع كتبي ، حاولتُ أن أصدق المتنبي بأن خير جليس في الزمان كتابُ وليس سارة !
كل ما في مكتبتي صار عصياً على القراءة ، مابالي عاجزٌ عن إتمام سطر !
أذائقتي باتت صعبةُ الإرضاء أم أني بتّ أميّاً فجأة ؟!
آه يا عزلتي القديمة ، وأيامي الخوالي أين أنتِ؟!
اشتقتُ لعزلتي ، للسلام الذي يسكن روحي ،
شتقتُ للكتب المنثورة في غرفتي أنهلُ منها تاركاً خلفي كل شيء !
اشتقتُ للكتابة ، للتركيز في المذاكرة ، اشتقت حتى للخروج بسيارتي في الرياض لبضع الوقت مع موسيقى بيتهوفن وأنغام ام كلثوم .
تركت الكتب وفتحتُ مجلداً يضم اقتباساتٍ لأجمل ما قرأت، لربما جملةٌ تشد أزري أو حكمةٌ من يدري ،ربما دوّنتها لتكون ذخراً في هذه الضائقة ..
تصفحتُ مجلدي النفيس ووقعت عيني على هذه العبارة :
" أنت لا تستطيع منع طيور الحزن من الطيران على رأسك، لكن يمكنك أن تمنعهم من بناء الأعشاش في شعرك .. حكمة صينية "
يا للحكماء الساذجين حقاً ، يبدو أنهم يطلعون على الناس من فوق هم لا يعيشون معهم ، يتخذون جانباً محايداً ويبدأون التنظير والثرثرة !
صاحبها لو عاش الحزن والضيق حقاً ما كان قالها ، لكنهُ رأى حزيناً بالجوار فآثر تدوين جملةٍ رنانة على حسابه بدلاً من مواساته !
الحزن ياغبي أشبه بدلو ماء يُهراق عليك ، مهما فعلتَ لا بد أن يرى عليك الناس آثار البلل .


قبل أن أركب هذا الموج اللاطم ، كنتُ أخرج من الكلية وليس هناك مايشغلني ، أنام قسطاً مريحاً ثم أستيقظ لأقرأ .
أخرج وحدي وأسهر وحدي وأتسكع وحدي ، كطائرٍ يستمتعُ بالتحليق وحده ، ترك السرب يمضي بعيداً وانشق عنه .
كنتُ نادراً ما أُشرك في أوقاتي أحد ! يا لذاك الوقت البعيد ، مهلاً ، أحقاً هو بعيدٌ جداً أم أني أراهُ كذلك ؟!
كانت حياتي أشبهَ بحالة سلام ، الآن ليس هنا إلا الحرب والدمار والأشلاء !
أذكر عزلتي القديمة فـ يهتفُ في سمعي صوتُ أسمهان : " يا ليالِي البِشرِ يا تيك الليالي، أين أنتِ الآن مني؟! " !
وأرى ما أحدثهُ دخول سارة في حياتي ، فتهتفُ أسمهان بأغنيتها الأخرى : " تلك الليالي اللواتي سبّبن سقمي ، ياليلةُ بعدها عيناي لم تنمِ ! "

أفتحُ كتاباً فأرميه ، والآخر كذلك ، عبثاً أحاول القراءة ،لم يعد يستهويني الأمر الآن ، يشب في صدري حريقٌ يأكل تركيزي !
تباً للفيلسوف الألماني شابينهاور ، كنتُ أصدقه طويلا ً :
" لا تمر بالمرء محنة إلا وتخففها ساعاتُ القراءة " ، كنتُ أصدقه ، كنتُ أهرعُ لمكتبتي كل حزة ضيق وأجد الأمر كما قال تماماً .
حسناً سيد شايبنهاور : هل تعرفُ سارة ؟ هل جربت الإختلاف مع سارة ؟
أو هل رأيت عينا سارة ؟
لا .. إذن فلتصمت !



يومضُ هاتفي ويعلو رنينه ، أترك ركن المكتبة وأنطلقُ ناحية سريري ، قلبي يحدثني أنها سارة ، أدركتها الشفقة ربما !
أرفعُ الهاتف وأتراخى بارداً ، ثاوي العزم .. فهد !
ماذا يريد ؟ لم يتصل منذ تشاجرنا ؟ الآن ماذا يريد ؟!
يبدو أنه تنازل وآثر البدء بالمصافحة ، لا أريدُ التنازل منه ، سألتقيهِ متى شئت .. أريدُ سارة !
لم أجبْ ، تركتهُ يضيء حتى غرق في الظلام :
أنت يا فهد سبب كل شيء ، أليس جزاءً عادل !

وبتذكر فهد تشب فيني أسئلةٌ كان هوَ من زرعها :
هل سارة تحبني فعلا ً ؟ هل الحب مجرد كلمةٍ هكذا نلفظها ونعتنقها مصدقين ؟ أم نحن نتقمصُ الحب ؟!
هل جرأتها مبررة ؟ رباه كيف تفعل كل هذا ؟!
في المحل أول مرة كانت تحدثني بثقة ؟ هي من بدأ الحديث عن رواية أحلام ، و هي أول من بدأ الإتصال ، وهي أول من عرض اللقاء المدبر ،
بل هي من علمتني أن في هذا الحاسوب ألفُ طريقةٍ للمواعيد واللقاءات ، ثم راحتْ تحادثني صوتاً وصورة ، قبل أن أتهمها بشناعة !
حين سألتها ، أخبرتني أن صديقتها كانت في ماليزيا : "عرفتُ منها كيف نتحادث بهذه الطريقة " .
صوتُ بكائها يرن في أذني يوم قالت " ظلمتني يا للأسى ظلمتني " ، ترن كناقوس !
كانتْ تقول بأنها متفاجأةُ حتى من نفسها وأن فرحتها بي تدفعها لما لم تتوقع أن تفعله يوماً : " ألم يقل صديقك ديستويفسكي سننبهرُ من أنفسنا ذات يوم حين تنطلق " !

يا لطيبتها أم يا لجرأتها ؟!
يا لشوقها واحتراقها الساذج للحب أم يا لـ.. لا ! ، سارة أكبر ، أنقى ، ماهذه الأفكار المسممة ، شيءٌ في داخلي يقولُ بصدقها !
لماذا يافهد أيقظت فيني أسئلةً لا أملك إجابتها ؟ لا أملك أم أني أخشى إجاباتها ، أووووه اللعنة ماذا أقول أبتّ مجنوناً اكلم نفسي !

لماذا أبقى حبيس غرفتي ، هل أبحثُ عن الجنون!
حملتُ نفسي و خرجتْ ..

********

أغلقتُ باب الشقة داخلاً وأصواتُ الأصدقاء ترحب ، وحدهُ فهد كان ينظر للتلفاز مستلقياً في صمتْ ، حاولتُ التصنع والإحتفاء بترحيبهم وأظني نجحت .
ينتظرون مباراة الهلال ، وأنا أنتظر اتصالاً !
الهلال اليوم على المحك في مباراة النهائي ، وأنا على المحك مع حلمي !
يتحدثون عن النقص الحاد في صفوف الهلال وأتحدثُ عن النقص الكبير الذي اعترى حياتي !
وفهد صامتْ ، هذا اللعين الذي غربل حياتي صامت ، الآن صمتّ يافهـد ؟!
يحادثهم ولا يلتفتُ في الحديث تجاهي ، أمازال غاضباً ؟ لماذا إذن راح يطلبني قبل ساعة !


يهتفون لهدف الهلال الأول ، ولا شيء في داخلي يشعر بالفرح ، هه كنت قديماً أصرخ ، أدخل في نوبة هيستيريا مع كل هجمة ، الآن ما عاد يشغلني الأمر !
ويتلقى الهلال هدفاً من الخصم ، ولا شيء يشعر بالحزن في داخلي ، كل الحزن سارة !
عيون فهد تختلسُ النظرات إليّ، فإذا التقت نظراتنا أزاح بصرهُ بعيداً كما لو كان غير مهتم .
يالصديقي المسكين ، يا صديق العمر يا لك من مضحك ، في عينيك يبدو الإهتمام وتتصنع اللامبالاة هه !
هل هو نادم ، أم أن شحوبي أرعبه ؟
حسناً ، يبدو أنه قلقٌ عليّ ، الأمر واضح .. وأوضحُ من ذلك مرأى العتب في عينيّ يا صديقي ، لا بد أنك أدرَكْتهُ منذ قدِمتْ !


وأسأل نفسي ، هل سارة تشاهد الآن المباراة ؟!
كانت قد أخبرتني أنها باتت مهتمةً جداً للرياضة وأصبحتْ تعرف بشأنها الكثير : " فيصل أريد مواكبة اهتماماتك " هكذا كانت تقول !
كانت تبحث في النت عن أغنيات فريد أم كلثوم ، تشتري الكتب التي أحب وتقرأ المجلات الدورية التي أقرأ : " أريد أن أعيش تفاصيلك " ..
حسناً هل تشاهد هذه المباراة الهامة الآن ؟ ألم يخطر في بالها وهي تشاهد القمصان الزرقاء أن مشجعاً متعصباً للهلال اسمه فيصل يشاهدهم في ذات اللحظة !
أم ياتُراها نسيَت ؟
لا لم تنس، بالتأكيد ذكرتني الآن وبكتْ ، يا للصفعة التي وجهتُ لها .. يا للمسكينة !


صفّر الحكم ، انتهت المباراة العصيبة التي حضرتها ولم أحضرها!
سلمان يتقافز مع صالح ويلتفتان نحوي فأتجمّل وأشاركهم فرحةً غابت عني للمرة الأولى ..
محمد يهتفُ في كل العمارة بإسم الهلال كالمجنون ، وأصواتُ الشقق من فوقنا وتحتنا يدوّي فيها هتاف الفوز وحمى الفرح تجتاح المكان ،
فهد يتلقى التهاني سعيداً وعينهُ ترقُبُني ! احتضن صالح ومحمد وسلمان وخطى تجاهي خطوتين وأحجم حين رآني قاعداً ، شعرتُ بتردده ..
لماذا أخسر الصداقة بعد أن خسرتُ الحب !
لماذا أهنتُ سارة وأكرر ذات الأمر مع صديق العمر ، كنتُ أرى تردده تجاهي ومقولة فولتير ترن في أذني :
" لولا الصداقة الحقة مات الناس ، بها يضاعف المرء نفسه ويحيا في نفوس الآخرين " ، لماذا أعاقب صديقي أكثر من ذلك !
قمتُ حين كان قد اقتنع بتجاهلي له ، لم يصدق ..عاد و احتضنني وكأنه للتو سعِد حقاً .. صار يصرخُ في أذني بجنون " جبنا الكاس .. جبناااااااه " وكنت أبتسم له في صمت ،
وبين الصرخات الضاجة في المكان راح يهمس في أذني " حقك علي يابوسويرة " فانتفضت على وقع الإسم .. " راحتْ سارة " هكذا أجبتهُ في سري !


هدأ الصخب وتحلل المكان مما أثقل كاهله من ضيوف ، كلهم ذهبوا وبقيتُ وحيداً مع فهد ، أشبه بطفلين تشاجرا ثم عادا للصلح ، كنت أقص له كل شيء وأنا أدعي اللامبالاة !
ألم أسرق أمي ؟ ألم أرفع صوتي لأول مرة وأختلف مع والدي ؟ ألم أنحط لأشتم سارة وأهينها ؟
ألم أتخاصم مع شقيقي مساء الأمس حين طلب مني إحضار ابناءه من قريبتهم ، " لستُ سائقاً لديك " ، لم أكن بهذه الصفاقة من قبل .
كل شيء فيني يتغيّر للأسوأ ، إذن لن تكون وحيداً يافهد ، هيا أشركني السُقيا !
سترى اليوم ، لن تكون مجرد رشفات ولن يكون أول انحطاط أرتمي فيه ..

أخفيتُ عنه خبر انتهاء علاقتي بسارة ، لم أستطع أن أقول له : أهانت أهلي فأهنتُها ، شعرتُ أن في الأمر عاراً .. وخفتُ أن يزيدني وهو القادر !
أستمع له والكأس اللعين يزيد ليس ينقص ، ما أسوأ ما أحمله الآن ؟ أليس عقلي ؟ إذن فليغب قسراً ألا تباً للتفكير والأسئلة ..
أين الليالي القديمة ، أين العزلة الماضية ، كل شيءٍ بات بعيداً كبعد الإيمان عن جلستنا هذه ، نسكبُ وينتفي عنا مؤقتاً كرداءٍ ينسلّ مرتفعاً لفوق !
وأسألُ قلبي أين الراحة التي كنت أنعم بها ؟ ولا أجد جواباً بين صبٍ وشرب .

كنتُ أبحث عن أي علاقةٍ لأكون سعيداً كغيري ، الآن أحسدُ صالح وهو يندبُ حظه ضاحكاً " يبدو أن الحلال مكتوبٌ لي، كلما نظرت لأنثى صدت عني " ..
أوّاه يا ليتني كنت مكانه !
لا أدري من قال : أن تعيش حالة حب هذا يعني أنك تعيش الحياة ، خطأ ، لا بالتأكيد أخطأ /
في الحب لا نملك الخيار لأن نعود لطريقنا الذي كنا نسلكه قديماً ، هذه ليست حرية والحرية إن غابت ليس ثمة حياة !
الأمر يختلف عندما نعيش بدون حب ، حينها نملك حق الخيار أن نستمر هكذا أو البحث عنه ثم المضي معهُ بعيداً .. تباً لفلسفتي ..
ياللفلسفة التي أقوم بها والكأس يُدفع في جوفي جعبة واحدة !

هاتفي يومض في هذا المكان الآثم ، يلوح رقم بيتنا ، بالتأكيد هي أمي تسألني الرجوع قبل أن يعلم أبي بتأخري :
لا يا أمي أرجوكِ كفي عن الاتصال !
مجرد الرد عليكِ هنا إهانة ، هذا المكان لا يليق بصوتك ، أنتِ أنبل من هذه الرائحة التي لن تصلك حتى ، عودي لسجادتكِ واتركيني لا تتصلي أرجوك !
ويعاود الرنين فأشعر بانكسار قلبي ، يا أماه يكفي !
وأتذكر وجهها فأتلمض ملوحة الدمع بين شفاهي ، ماذا تريدين ؟ ابتعدي يا أمي عن مكان خزيي ، صوتي الثقيل سيقتلك يا أماه عودي للنوم واتركيني ..
طفأ الوميض ولم تعاود الرنين ، وشعرتُ أني أهوي بعيداً ، وأخذتُ أتخيل رعبها عليّ وعجزي عن الإجابة كأبكم ..
وذكرتُ سارة فسكبتُ أكثر !

نغلق الباب خلفنا ونمضي في الممر نتلمس الدرب كأننا أطفالٌ للتو يتعلمون المشي !
أطفال القرية وحثالة المدينة ، هزيع الليل الأخير يُغرق العاصمة في الهدوء ، ألوان النوافذ استحالت زرقاء بعد الفوز ..
و الشعارات والأعلام تكسو أرض الشارع والعمارة ، ونحنُ نضحك من لا شيء ، ربما أنفسنا !
انطلقتُ بسيارتي ناعساً متعباً كطائرٍ بللّهُ المطر، أين أمضي وكل المدى قد سُد في عيني ؟!
كالمجنون أهاتف عبدالمجيد وراشد "أين من أحضرَتْكم هنا ثم غابت ! "
أتمهلُ في السير وأكاد لا أبصر ، كل شيءٍ في هذه الرياض مبكي ، حتى الساهرون الفرحون بأعلامهم أكاد لا أراهم ،
أليس من المفترض أن تكون ليلة فرح .. لماذا يحدث كل هذا لي ؟!

رأيتُ الدروب الموحشة ، والإسفلت القاتم كأشد مما كان قبل ، ورأيت ماذا ؟ رأيتُ أكثر :
صندوقٌ يلوح أمامي ، يتراقص فيه لونٌ أحمر وأزرق ، يا لحظي .. يا للخيبة التي تأتي دفعة ً واحدة !
آخر ما ينقصني نقطة تفتيش ، بدأت أضحك انتظاراً لدوري ، وضعتُ رأسي على الكرسي وضحكتُ بصوتٍ عال، ضحكةٌ تشبه الدمع يا يا أقداري الموحشة ..
توقفتُ أمامهم ، طلبوني وأعطيتْ ، أتوارى عن عيونهم وعبثاً أفعل ..
هذه بطاقتي رُدت إليّ .. وهذه استمارة السيارة قد تأكدوا منها ، نظروا لي طويلا ً وتهامسوا ثم نزلتُ بأمرهم :

- ارفع سبابتك عشر ثواني ..

يا لهواني ، مابالها لم تثبت ولا حتى ثانيتن ، وركبتُ معهم وملوحة الدمع تزداد .. في أي دهماء ألقيتُ نفسي ؟
ها أنا أنحط والفضائح تشرع بابها نحوي أن تعال !
وهتفتُ في داخلي باسم سارة .. ضج صوتي في أعماقي ولم يجبني أحـد !


يتبع .......

look/images/icons/i1.gif بعضُ ما خبأتهُ الرياض ..
  18-05-2011 05:28 مساءً   [33]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 24-07-2010
رقم العضوية : 42,215
المشاركات : 9,623
الجنس :
قوة السمعة : 2,147,483,647
..............:greet015:................

look/images/icons/i1.gif بعضُ ما خبأتهُ الرياض ..
  18-05-2011 05:39 مساءً   [34]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 05-08-2008
رقم العضوية : 12,196
المشاركات : 2,877
الجنس :
قوة السمعة : 859,003,115
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 5 ( الأعضاء 2 والزوار 3)
‏HASHEM13 , ‏JOKER

:wow0000:
يسلملي اللي بقرا

look/images/icons/i1.gif بعضُ ما خبأتهُ الرياض ..
  18-05-2011 10:27 مساءً   [35]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 05-08-2008
رقم العضوية : 12,196
المشاركات : 2,877
الجنس :
قوة السمعة : 859,003,115
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة: الهدى;1631334
..............:greet015:................
...:hi:...

look/images/icons/i1.gif بعضُ ما خبأتهُ الرياض ..
  20-05-2011 01:10 صباحاً   [36]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 05-08-2008
رقم العضوية : 12,196
المشاركات : 2,877
الجنس :
قوة السمعة : 859,003,115
22




بوجهٍ شاحب وعينين مجهدتين أفتحهما بصعوبة .. أفقتْ !

لم أكن في سريري ، وهذه الرائحة العارِقة ليست رائحة غرفتي ، وهؤلاء الواجمين لا أعرفهم .. كلهم يتكأ على الجدار يحاول النوم بصعوبة !
جدارٌ حقير ومقعد حديد وأرضٌ قذرة وقضبانٌ صفراء لا تسر الناظرين !
ها أنا في التوقيف مكللاً بالخذلان ، يا لعاقبة أمري ، ياللفاضحة ، ويا لسوء مآلي ،
أُفيقُ قديماً بين نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم و دوستويفسكي وأدباء العالم ، أتوسدُ كتبهم وأنام وقد وقع ماأقرأه على صدري كحمامةٍ فرشت جناحيها ..
..لأفيق الآن بين وجوهٍ لستُ أعرفها كلما فيها ينضحُ بالشر !

الساعةُ الآن تقتربُ من السادسة ، أوّاه هل نامتْ أمي ؟!
تسع مكالماتٍ كلها من بيتنا ليس بينها سارة ، لم يصلني صوتُ الرنين وأنا الغافي في بحر التعب !
هاتفتُ بيتنا وأدعو الله ألاّ يجيب أبي ، لم يكمل رنينه الثاني إلا وصوتُ أمي باكية ً وعبثاً أحاول التهدئة :

أخبرتها بأني في الإسعاف لأن صديقي مريض جداً ، أقسمتُ لها بأني بخير وأقسمتُ كذباً أن صديقي بات بخير ، جوالي نسيته في السيارة هكذا كذبت !
راحت تبتهل لله حمداً ورحتُ أطلب الرحمة منه .. سرقتها، لن يضيرها الآن كذبة !
رجلٌ بجواري على ثوبه آثار دم ، يبدو أن معركتهُ كانت شرسة !
والآخر مراهقٌ لا أدري ماقصته ، ربما استخفه الفوز فراح يرقصُ بالسيارة في مسرح الإسفلت ،
وأحد العمالة محتقنٌ وعينيه تشي بالبكاء الطويل .. ما قصته ؟
كلهم يتفرسني ويسأل نفس السؤال ..
.. رائحة المكان منتنة ، وهل كنتُ أنتظر بعد انحطاطي رائحة الورد !


في هذا المكان المهين ربما كفّرتُ عن ذنبي ياساره .. أجيبي بربك .
هاتفتُها لأول مرة ، ها هو صباح اليوم الرابع يرتفع ومن قلب المكان المحبط رحتُ أطلبها ولم تجب ،
بالتأكيد لم تنم ، هي الآن مع هيفاء مستغرقةٌ في أحاديث لا تتعلق بي ، أو ربما مستمتعة بوقتها في أفلام بوليود التي تحب غير عابئة ، صار فيصل شيئاً بطعم الماضي ليس أكثر !
أو ربما نائمةٌ ملء جفونها عن شواردها على السرير الذي ليس حديداً كالذي أتخذه !
طلبتُ الهاتف من الرجل المجاور لي فأعطانيه ، هاتفتُها برقمه الغريب فأجابت ، إذن يبدو أن رقمي مغضوبٌ عليه يا حلوتي ،
قالت بصوتها الناعم " ألو " وشعرتُ بشيء من أوكسجين وحشرجة بكاء ، كأني ضائعٌ في كوكبٍ مهجور سمِع النطق لأول مرة !
حين سمعَتْ صوتي أغلقتْ الهاتف في وجهي على الفور ، لا ، نسيتني حتماً ..

أليس هذا اسمي أم تراني نسيته ؟!
صوتُ أحدهم يناديني ، خرجتُ على وقع اسمي وأنا أدرك أن فضيحتي اقتربتْ ..
سيسألوني من أين أتيتْ ومكاني الذي كنت فيه ، وربما مع من مكثتْ وأين حصلتُ على ما جاء بي هنا !؟
سيأخذون عينةً من دمي ، بالتأكيد سيفعلون ذلك ، وسأتغابى وسأظن الأمر مجرد تبرع وتحديد فصيلة ،
سأقول فصيلتي " س +" ، وسيضحكون من هذه الفصيلة الجديدة !
وسيدوّنون لي ملفاً خاصاً بإسمي ، وسأوقع !
وسأحملُ ورقةً تخبرني أني بتّ مداناً بأكثر من 700 ريال ، وسأخبرهم أني مستعدٌ لدفع أكثر، لكن لا تحجزوا مركبتي ..
ياويلي إن افتقدها والدي.. حينها ماذا أقول له ؟!
ثم سأحملُ تعهداً يذكرني دائماً أنني بتّ أحد روّاد هذا المكان المأفون .. يا لخيبتي !


دخلتُ متردداً كمجرم ..

- أنت فيصل ؟
- نعم !

لم يكن في الغرفة إلا أنا وهو ..

كان ينظر لي بنظرة أسى .. عتب .. لا أدري :


- هل يرضيك الوضع الذي أنت فيه الآن ؟!

سؤاله غريب ولهجته أغرب..

- بالتأكيد لا ، أرجوك أنا ابنٌ لمريضة كبيرة ووالدي لا يحتمل هذه الأنباء

- لماذا ترمي بنفسك في هذا الدرب ؟! هل تبحث عن فضيحة
لا تتذكر أمك وأبوك حين تدخل هنا ، تذكرهم قبل أن تفعل ما يستوجبُ أدخالك !

أردتُ أن أبكي أن أرتمي على يديه أردتُ أن أصرخ فيهِ بأني لست سيئاً لكن ظروفي أسوأ !

- هل تعمل أو طالب أو ماذا ؟
- آخر فصل لغة عربية .. أول مرةٍ أأتي هنا أرجوك .. ساعدني

أخذ يحدثني طويلا ً .. لهجتهُ تطابق لهجتي وأكاد أقسم حتى الملامح متقاربة ..
كنتُ متعباً لا أستطيع الوقوف ، ولم أستطع طلب الجلوس .. وقفتُ كشجرةٍ أصلها في الأرض ورأسها في الأرض وجذعها في الهواء !
أفقتُ من خيبة أفكاري ، كان يمد لي أوراقي و يقول هيّا تفضل " انتبه لنفسك " ،
ماذا ؟ هل أدركتني رحمة ربي بدعاء أمي جوف الليل ..
لم أسأله لم أتحدث له ..حتى الشكر لم أشكره خشية أن يغيّر رأيه ..
خرجتُ على الفور حين عرفت كل شيء ، كنتُ أقرأ اسمه فوق بزته العسكرية ، كان ينتمي معي لنفس الفخذ والقبيلة !
وأخذتُ أفكر وأنا أطوي ممرات المخفر : ما موقفُ سارة لو عرفت هذا الأمر ، ألم تغضب منا وراحت تكيل لنا التهم !
والقابعون مثلي في ذاك القفص ، هل تطبق عليهم الإجراءات أم يُعفى عنهم ؟ لا ، في الرياض تعملُ الأسماء أكثر ..
طردتهم من هواجسي وهرولتُ للبوابة نافذاً بجلدي ، تباً لأمرهم لا يهم ..
..حظي اليوم كان جيداً هذا كل ما يهم !




كنتُ أتصلُ بسارة أكثر من عشرين مرة ولا ترد، وصلتُ بيتنا وقبلتُ أمي وبدأت حياكة أكاذيبي ، هه كانت تدعي لصديقي بالشفاء !
من حسن حظي أن والدي قد غادر لعمله ، لو رآني لكان الأمر قصةً أخرى .
تغيبتُ عن كليتي لهذا اليوم أيضاً ، وأنا الذي كان غيابي قليلاً كـ قلة الفرح في أيامي الثلاثة هذه !
تباً لقسوتكِ ياسارة لم لا تجيبين !؟
رميتُ رأسي على وسادتي متعباً ، قبل أغماض عيني صاح على الفور هاتفي معلناً استقباله لرسالة جديدة ، تصفحتها سريعا :

- " ظلمتني يا فيصل، أنا بريئة من كل ماوصمتني ، كنتُ أندفعُ معك رغم يقيني أني على خطأ ، لكن لجهلي كنت سعيدةً بك ووثقت فيك.
أرجوك لا تتصل . خلاص . أتمنى لك التوفيق في حياتك يارب . سارة "

هاتفتها حال انتهاء القراءة ، " الهاتف المطلوب مغلق "..
لم تعد تستقبل حتى رنيني !

* * *



استيقظتُ حزيناً ، تماماً كما نمتُ حزيناً ، وإن رأيتَ الحزن الشديد في عينِ أحدهم ففتش عن المرأة ..
عاد بيتنا كئيباً غادرته البهجة ، عاد المطبخ لفرشةٍ خضراء مملة و الفناء لصامتٍ كئيب و الجدران لقشور دهانٍ متسخة !
كان كل شيءٍ جميلاً يوم كانتْ سارة تملأ أرجائي .. آه ياسارة أحقاً انتهينا ؟!

أليس غريباً أن يتوقف الجَمال من حولك أو القُبح ، على علاقتك مع أحدهم ؟
ترى الكون رائعاً مبهجاً تارة ، ولا يتغير فيه شيء لكنك تراهُ موحشاً تارةً أخرى .!
أليس غريباً أن لا تتحكم في قلبك وعقلك الذي تمتلكه في جسدك ، ويتحكم به البعيد عنك ، جسدٌ آخر !
أليس غريباً أن يسيّر أحدٌ حياتك كيفما يريد ، يجعلها موحشة .. جميلة .. بائسة .. هكذا دون أن يكون لك في الأمر قدرة !
الثوّار الذين زلزلوا الأرض على الحكام والأنظمة التي تصادر الحريات ، هل ثاروا يوماً على امرأةٍ تتحكم في قلوبهم وتصادر حريتها ؟!
لا .. لم أسمع رجلاً ثار على امرأة طلباً لحريّته ، ربما لأن الأمر أصعب من مواجهة الساسة بكثير..


أخبرتُ فهد بما حدث ليلة البارحة .. لا أدري كنتُ أفضفض أم أتوب أم أحذره ..
وعرجنا على أحاديث الحب فجاءت ترفلُ سارة بعينيها الجميلتين وشعرتُ بقلبي ينقبض !

- هل تتذكر يافهد حديثنا على الجسر المعلق قبل شهرين ؟ يومَ قلت لي أن نيتشه أخطأ ، ليست الحياة غلطة بدون موسيقى ، غلطة بدون أنثى !

- نعم أتذكر ، وبالمناسبة فيصل أجدد اعتذاري، وأريد أن أخبرك بأمر وأخشى أن تغضب

- لا يا صديقي ، ليس في الأمر غضبٌ بعد اليوم .. قل ماتريد !

- يخص اندفاعك تجاهي يوم الجمعة، فقط أعطني الأمان

- أووووه يا فهد لا تكن صبياً هكذا .. تحدث بما تريد

وراح يلقي عليّ بالصاعقة :

- عندما كنتَ تريني رسائل سارة ،كنتُ في نهاية كل رسالة أحفظُ رقمها جيداً .. خزنته في ذاكرتي !
هههههه ومنذ خصامنا و أنا أُزعجها باتصالاتي، بالله لا تغضب أنت تعرف أني أفديك بروحي يا صديقي ولا يدر في خلدك أني أطمع بعلاقةٍ معها من خلفك،
فقط شعرتُ أن الأمر أشبه برهان وأردت إثبات زعمي ،
كما ترى ، ليس الأمر طعنة ، أردتُ أن أحميك من اندفاعك الغبي نحوها ، وأردتُ أن أثبت لك أنهنّ متسليات لا أكثر .
حسناً ، هل تصدق ؟ 4 أيام لم أظفر منها إلا بالشتم ؟ لم تكن حتى بوارد الرضوخ ، كانت تغلق الهاتف في وجهي كلما اتصلت ،
حين ألحّيتُ عليها برسالة أن نبدأ علاقةً هاتفيّةً لا أكثر.. أخبرتني أنها لا تستطيع ، أرسلت لي بعد إلحاح هذا المسج ، أليس هذا رقمها ؟ هاك اقرأ


" أنا أحب أحدهم ، هل هذا كافٍ لتبتعد عن إزعاجي ؟ أرفضك تماماً فأرجوك لا تكرر الاتصال "


هتفت مصعوقا :

- أنت ؟ انت فعلتها يا فهد ؟!

- لاتغضب، الأمر وما فيه أني كنتُ أريد حمايتك .. الآن أقولها لك ، هيَ صعبة المراس يا صديقي .. الآن بإمكانك أن تقول فيها ماتشاء لن أعاتبك ..

- بعد ماذا يافهد .. بعد ماذا ؟! كل شيء انتهى كل شيء

- ماذا ؟ كيف انتهى

هل أغضب من فعلته الشنيعة ؟ أم أفرح ؟ أم فات وقت الفرح ؟
هل أخبره بإهانتي لها .. وغضبها مني وانسداد الطريق ؟!
هل أسعد بكلامه أم أضربه حتى أهدأ ! آه لستُ أدري
وتباً لهاتفها الأحمق ، منذ الصباح مازال مغلقاً ..

" سارة أرجوك هاتفيني فور فتح الجهاز .. الأمر ضروري ، أرجوك "

ومازال مغلقاً ..
أرجأت حساب فهد لما بعد .. خرجتُ من عنده وقد قررتُ التهور !



لا شيء يبعث في الإنسان الشجاعة أكثر من خوفٍ آخر.. لا أدري من قالها أظنه نابليون ، لكنه صدق ..
مخافة أن تفلت سارة من يدي هذا ما يجعلني الشجاع الأول الآن !


كنتُ أنطلقُ ناحية بيتهم قبل أن تحل الخامسة ، ستخرجُ للمشي كعادتها ، وسترى جنوناً لم تره .. لا بأس لا تجيبيني !
أسير بسرعةٍ قصوى منطلقاً تجاه أحياء الرياض المترفة ، نعم يادوستويفسكي سننبهر من أنفسنا حين تنطلق .. أول من ينبهر أنت لو رأيتني الآن !
ألعن نفسي تارة وتارة ألعن فهد وأخرى ألعن سارة وهاتفها الذي مايزال مغلقاً ..


أقفُ أمام بيتهم الراقص في الظلال ، تحفه الأشجار المهذبة بعناية ، والطيور تتراقصُ فوق أغصانه الكثيفة ، تشعر بحريتها وأنا المقيّد !
وقفت نصف ساعة وأنا أقول إن لم تخرج اليوم ستخرج غداً !
هاهو السائقُ يخرجُ بالسيارة ، هذا هو الهودج الذي أعرفه جيداً ، رحتُ أنطلقُ خلفه ..
جنوني جعلني أتبع شقيقها ، أفلا يجعلني أنطلقُ خلفها هي !! حسناً وإن كان في الأمر هلاكي ..
وأقتربُ من السيارة لأتأكد ، هاهي سارة ، يبدو أن حظي جيد هذا المساء .. حسناً بدأت لعبة الموت الآن !


يتوقف السائق عند المكتبة فجأة ، وها هي تنزلُ بمشيتها التي بت أعرفها جيداً .. وبدأت أقلب الفكرة في رأسي :
أن ترى جنوني في هذا المكان خيرٌ من أن يشاهده أهل الرياض في الممشى جميعاً ، نعم هذا مكاني ، يبدو أن حظي في أوج سعده .. حسناً !
نزلتُ سريعاً خلفها ، فتحَتِ الباب ودخلتْ .. شرعتُ الباب خلفها ودخَلْت !
تركتها تبحث عما تريد ، أبقيتُ عيني عليها وفي نيتي أنها لن تخرج حتى ترى شيئاً لم تره من قبل طيلة حياتها ..
تركتها حتى انزوت ناحية الرف البعيد ، هناك في النقطة العمياء ، باتت بعيدةً عن ضجة المكان وهتف في داخلي رجلٌ مجنون أظنه ابليس:
ها قد حانت اللحظة ، انطلق يافيصل !


أمسكتُ يدها ولم أمهل شهقتها أن تتم :

- ليش ماتردين !

- . يامجنون

- نعم مجنون ، أمس كنت في التوقيف .. تسمعين ؟ لن أمانع في العودة إليه ـ لماذا لا تجيبيني لماذا

- فيصل الناس. لا تفضحني

كانت ثورتي تتصاعد وبدأ النظر يتقلص، لم أرَ إلا سارة وهذا الرف الذي تعلوه الكتب ، انفصلتُ عن الجميع ، لم أعبأ حتى بالمرأة التي اقتربت تواً ..
انزويت بها جانباً وكأني زوجها أو شقيقها وأهمس في أذنها همساً أريد أن يتحول لصراخ :

- ثلاثة أيام لأجل كلمةٍ لم أقلها ؟ ثلاثة أيام ، أتعلمين ماذا حدث لي
هل تعلمين أني أكلم نفسي ؟ صرت مجنوناً ، هل تعلمين أني لم أفرح حتى بفوز الهلال ، حرام عليك

- فيصل خلاص نتكلم بعدين تكفى

كان صوتها أشبه ببكاء ..

ومازلتُ أندفع كالطائرة التي تشق السحاب :

- اختباري بعد اربعة ايام ، حتى المذاكرة لا أستطيع ، أقسم لك لا أستطيع ، سامحيني أرجوك ،
ليس لي قبيلةٌ في هذه الدنيا ..أنتِ قبيلتي أنتِ .. سامحيني قوليها وأذهب .. لا أريد شيئاً أكثر

توجهتْ للبوابة مرعوبةً وهي تقول:

- أقسم بالله راح أكلمك الليلة فيصل بس .. أمانة يكفي


خرجتُ وخرجتْ ، ركبتْ مع سائقها ويبدو أنها أشارت عليه بالعودة ، سلك الحارة المجاورة ولم ينطلق في الطريق العام ، المسكينة أرعبتُها !
كنتُ أنظر للسيارات أمام الإشارة ، وللرائحين والغادين ، للمحلات التي يقف باعتها أمام بواباتها كأنهم ينظرون للشمس المائلة للغروب ،
لم يأبه لي أحد وليتهم فعلوا ، شعرتُ أني ممتليءٌ بالجرأة ، أريد أن يلومني أحدهم لأنطلق فيه منفّساً عن حنَقَي !


ركبتُ سيارتي وأغلقتُ بابها كعائدٍ من معركة ، أرخيتُ رأسي للوراء وبدأتُ استيعاب ما جرى ..
صدري يعلو ويهبط كموج .. أنفاسي لاهثة ، حمرة الدم تكسو بياض وجهي كسحابةٍ تغطي أديمَ سماء ،

لا لستُ أنا من اقتحم المكتبة وأحكم قبضته على يدها
لست أنا من حاصرها في هذه المدينة الآمنة حتى انتزع منها هذا القَسَم والوعد الليليّ !
لستُ انا من لم يعبأ بعدد المتواجدين داخلها أكانوا بالعشرات أم كانت خالية ..
لست أنا

أنا أبسطُ من هذا كله ، أنا أحقر وأقل من فعل ربع ذلك ، بل و الربع كثير !
أنا لست جريئاً ولم أكن كذلك أبداً ـ
ليس أنا من كان ينفض يدها ويهتفُ بها في زاوية الكتب ..
هذا إنسانٌ آخر يسكنني لا أعرفه ، لم ألتقيه طوال السنين .. انبعث فجأة !

رفعتُ يدي ووضعتها عند أنفي، شممتُ عطر سارة ، كان يصبغ راحتي ، وبدأت أصدق !


نعم فعلتُها .. نعم .. الأمر بات حقيقة ..
هكذا إذن .. إما أن تكون الحياة مغامرة ً جريئة أو لا تكون !
لا ياسيد فرانسيس بيكون ، تباً لك ولفلسفتك التي أضاعتني ، ليست " الجرأة وليدة الجهل " ياجاهل ، خذها مني أنا :
الجرأة وليدة الحب .. لكنك لم تعش في الرياض لتعرف !

رنين هاتفي يعلو و " سارة يتصل بك " :

- ألو

جاءت ثائرةً بصوتها المبحوح :

- يا مجنون يا مهبول يا متخلف أنت مجـ..

- أحبك!

يتبع ...

look/images/icons/i1.gif بعضُ ما خبأتهُ الرياض ..
  20-05-2011 11:12 صباحاً   [37]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 24-07-2010
رقم العضوية : 42,215
المشاركات : 9,623
الجنس :
قوة السمعة : 2,147,483,647

look/images/icons/i1.gif بعضُ ما خبأتهُ الرياض ..
  20-05-2011 03:45 مساءً   [38]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 05-08-2008
رقم العضوية : 12,196
المشاركات : 2,877
الجنس :
قوة السمعة : 859,003,115
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة: الهدى;1632976 ...............:greet015:............
......:hi:......

look/images/icons/i1.gif بعضُ ما خبأتهُ الرياض ..
  20-05-2011 11:31 مساءً   [39]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 05-08-2008
رقم العضوية : 12,196
المشاركات : 2,877
الجنس :
قوة السمعة : 859,003,115
23


لحظة التصافي بين حبيبين ، تكفّر عن كل أوقات الشقاء التي عاشاها بعيداً عن بعضهم .

كل ألم ، كل معاناة ، كل دمعة تذرف في البعد ، تستحق أن تكون ثمناً للحظة عتاب بعد قطيعة !
ما هي أجمل لحظات الحب ؟!
هي عتاب حبيبين في سكون الليل ، هذه أجمل اللحظات التي من الممكن أن يعيشانها .
الخصام ، الغضب ، الابتعاد ، كلها للحب مثل الملح للطعام ، تجعلهُ ألذ وأشهى !
ويبقى الحب ما بقيَ العتابُ ..
.. أن يتعاتبا ، يعني أن أمر هذه العلاقة يعنيهم و جداً ، كلاهما يريد دفعها للأمام لتستمر !
شيئان إن لم يزيدا أخذا في التقلص ، الحب و القمر .. لا يعرفان الثبات ،
حين سألوا اليناور روزفلت عن غياب زوجها المتكرر في أسفاره السياسية ، قالت "لا بأس الغياب يعلم الغرام الإزدياد !"
وهذا ما حدث فعلا ً لي مع ساره ..
كل مافي قلبي تجاهها تنامى لأضعاف ماكان عليه ، وصلتُ فجأةً للتصالح مع نفسي تجاهها :
أحبها ، لا أرتاب فيها ، هي أطهر من أي شك .. هكذا ، حقائقُ ثلاث لن أحيد عنها أبداً ..

راحت تعاتبني على جراءتي معها في المكتبة ، وكنت أستقبل العتاب كإطراء ، كأن في تأنيبها لي مسحة إعجاب ..لا أعرف!
نعم أخفتها في المكتبة ، نعم كانت خارجةً للمشي وفجأة وجدت وحشاً يأمرها أن تعود إليه ، لكن بدا أن هذا راقها .. أشعرها أنها نفيسةٌ جداً أو هكذا أتوهم !
لا أدري ،
نعم تجرأت كثيراً ..كنت أشبه بوحش ينفض يدها في المكتبة ، لكن شيءٌ ما بداخلي وفي صوتها يشي أنني أبهرتها .. نعم هو الإبهار !

كانت تعاتبني وتضحك ، كأنها غير مصدقة :

- والله يافيصل ، لو قصت عليّ إحداهن هذه القصة لكذبتها ، جنون !
شيء لا أراه إلا في الأفلام و قصص الحب يحدثُ لي أنا ..وأين. في الرياض!! أجننت ؟

ومزهواً أجيب :

- عندما أقفلتِ هاتفك بعد أن قلتِ " خلاص انتهينا " ، شعرتُ أني خسرتُ كل ما أملك، قلت لنفسي :ماذا أخسر إن جربتُ طريقتي الأخيرة ؟ لا شيء !
حين توجهت لمنزلكم وجلستُ أنتظر خروجك ، كنت مهيئاً نفسي لأمرين : إما أن أعود بالصلح أو أعود بالفضيحة !

- يوووه يافيصل ، والله إلى الآن يدي تؤلمني من قبضتك ، لم أشعر بالألم إلا بعد أن وصلت البيت !

- يقول الأطباء ، أن العقل حين يكون مصعوقاً أو مشوشاً مع حدث مهم ، لا يشعر بالألم مؤقتاً، لا يرسل المخ إشارة الألم على الفور، لإنشغاله بما هو أهم !
ألا تشاهدينهم في المباريات ، يسجل المهاجم الهدف ..ينطلق فرحاً ..ثم يتوقف فجأة ويعاني من ألم الإصابة جراء احتكاكه بالخصم قبل التسجيل !

- نعم قرأت شيئاً من ذلك ، إنما هذا المثال خطأ ، أنت تتحدث عن مهاجم وأنا كنتُ مجرد لاعبة دفاع، المهاجم شخصٌ مجنون اسمه فيصل !

ضحكت وقلت لها :
- يا للمهاجم الموهوب ! بغض النظر عن حالة التسلل التي وقع فيها وشرعية الهدف ، أليس هدفاً رائعاً هههههههههه ، وبالمناسبة ، يقول الإسبانيون في أمثالهم " يد الأم لا تؤلم " ههه

ضحكنا كالسُكارى، إلتهمنا الدقائق والساعات كغائبين عن بعضنا أربع سنين ليس أياماً أربعة !
أخبرتُها حقيقة الأمر كله ، اعتذرتُ لها واعتذرت لي ، حدثتُها عن عراكي مع فهد لأجلها وعاتبتني .. " لا أريد أن تخسر أصدقائك بسببي " ..
وتحدثت لي عن إلحاح رجلٍ يريد مكالمتها وكانت تصده وتنتظر اتصالي ، وابتسمتُ ، فعلا ً كان اللعين فهد يختبرها !
يالك من وغد يا فهد .. حتى في أسوأ الأمور التي تقوم بها لا يمكن أن تخلو من فائدة ..
ما أسعدني بصدق سمرائي وإخلاصها .. أثبتّ لي ذلك رغم سوء طريقتك يادنجوان!

أخذني من أفكاري سؤالها :


- ما حكاية التوقيف التي قلت لي ؟! لماذا أوقفوك ؟!

ورحتُ كمحترفٍ في الكذب أحيكُ لها قصةً من رأسي

- كنتُ سارحاً بكِ ولم أنتبه للإشارة ، قطعتها فأوقفوني !

لو أخبرتها بالحقيقة لربما نفَرت مني ، كذبةٌ بيضاء ليست كالأكاذيب التي يطلبها مني فهد ..

- فيصل كنت تقول لي " أنتِ قبيلتي " ، هذه الكلمة ترن في رأسي حتى اللحظة !

وذكرتُ موقف الرجل المنتمي لقبيلتي في التوقيف وأطبقتُ فمي ولم أتحدث ، أي نظرةٍ ستنظرين بها للأمر يا فاتنتي ..
هنا تقوم الأسماء بدور المفاتيح للأقفال ، لن تدركي ما أقول .. "تجاوز الأمر يا فيصل ولا تخبرها !"


- توقعتُ بعد خصامنا يافيصل أن أكون قويةً جداً ، أنت لا تعرفني حين أغضب ، أحملُ قلباً لايسامح بسرعة ومع هذا ...

هتفتُ بها :

- ماذا ؟!

- مع هذا كنتُ أنظر للهاتف أنتظر اتصالك ، كلما عاود الرنين فرحت وعندما أجد الرقم لأحد صديقاتي أو أهلي أغضب وأتكوم على نفسي .. أنت لم تتصل ثلاثة أيام !

- ولماذا تغضبين ، أنتِ تقولين أنكِ لن تسامحي ..

- لا يافيصل ، لن أرد عليك .. لكن سأشعر أنك تريدني ، أنك نادم أو تفتقدني ،
صدقني لم أكن لأجيبك إنما كنتُ سأكون أهدأ ، مجرد معاودتك الإتصال هذا يعني أني أمثل لك الكثير.. لكنك للأسف لم تتصل وتوقعتُ انك مع فهد ونسيتَ الأمر ونسيتَ سارة

- ياللعجب أتصدقين ؟ هذه نفس أفكاري عنكِ تماماً ، كنت أقول بالتأكيد تهاتف هيفاء وتخرج مع سائقها و نسيتني بالمرة ،
لم أتصل لأني نادم و شعرتُ أني أستحق شيئاً من الجزاء .. تركتُ نفسي في الشقاء ثلاثة أيام تطهيراً لنفسي .. أتذكرين أول اتصالٍ جاءك في اليوم الرابع ؟

- نعم السادسة صباحاً ،

- كنتُ في زنزانة التوقيف ، شعرتُ وقتها أني في مكانٍ كفّر كل ذنبي معك .. لذلك رحت أهاتفك .. لكنكِ قاسية ، أغلقتِ الهاتف في وجهي !

- هههههه لكني كنتُ سعيدة ، أقسم بالله أقفلته في وجهك وأنا سعيدة ، فوراً كلمتُ هيفاء وأخبرتها باتصالك وأشارت أن أؤدبك ! لذلك أغلقت الهاتف كلياً ..

- تباً لقلبها القاسي ، أتمنى ان تدور عليها الدوائر وأشاهدها في التوقيف يوماً ..

- هههههههه "خلنا نسوق ويصير خير "


راحت تلح علي أن أنشغل بالمذاكرة .. أخبرتني أنها تريدُ النجاح مني كهدية ،
وذكرتُ الصيف ورحلتهم فانقبضَ قلبي ولم أقل شيئاً .. لم أرد أن يفسد فرحتي الآن أي منغص .. ها قد جاء الصلحُ فلأركز في دروسي الآن ولكل حادث حديث .
لن أفتح على نفسي أبواباً لم أصدق إغلاقها .. هكذا قررت

* * *


في أحد المقاهي المتناثرة على الدائري شرق الرياض أجلس وفهد في دكةٍ صغيرة ونتبادل الأحاديث ..
كنت لا أحب ارتياد هذه الأماكن العامة لكمية الصخب الشديد في أرجائها ، لكن ما فائدة "كنت" ؟!
أعرف أن أشياء كثيرة تبدلت في داخلي هذه الأشهر الثلاثة .. ليس أول تغيير يطرأ ولن يكون الأخير ..
قناعاتي تزحزحت وتعرضت تضاريسها للقهر حتى تغيرت معالمها !

يتكدسُ أرتال الشباب في هذه المقاهي حتى انتصاف الليل ، هي البحر وهي الكورنيش وهي الطبيعة في هذه العاصمة !
يهربون إليها كلما حاصرتهم لافتة تمنع العزاب من التواجد ،
يهربون إليها ويعمرونها بدخان السجائر ورائحة الجراك وأصواتهم المرتفعة ..
مساحةٌ كبيرة من الأرض تتقسم لمربعات صغيرة ، كل مربع يضم مالا يزيد عن السبعة أشخاص مفترشين جلسةً شعبية يتحلقون تلفازاً خاصاً بهم ..
أصواتُ الشباب المرتفعة والأغاني الصادحة من القنوات ..
ومعلقي المباريات وهتاف المتعصبين ،
صياح الزبائن للعاملين ، ونداء العاملين لبعضهم بتجهيز الطلبات كل هذا لا يمنع الأحاديث أن تتوالى في كل دكة..
في العاصمة تعلمنا أن نتحدث رغم الضجيج !

أشرب الشاي من إبريقٍ أحمر قديم و صوتُ الشيشة بين يدي فهد أشبه بغرغرة غريق ،
..حين قال لي وهو ينفث رائحة التفاح :

- إلى أين تريد أن تصل مع سارة ؟

فاجأني .. وشعرتُ بكوب الشاي في يدي قد تموّج :

- إلى أين ؟ سؤالك غريب.. لا أدري ؟!

- تقول انك تحبها ، حسناً لن أضايقك بأفكاري ونعود للعراك ، وهي تحبك ، لكن ألم تسألا أنفسكم ماذا تريدان من بعضكم ؟

- في احد المحادثات قلت لها شيئاً من هذا القبيل ، قالت لي " خلها تمشي بظروفها " !

- آها ، جميل .. يعني هي لا تؤمل منك زواجاً .. إذن ياصديقي فلتضرب ضربتك !

ها هو فهد ..عاد للحديث الذي يتقنه :

- وما هي الضربة ؟

راح يضحك وصوت الشيشة أشبه بخلفيةٍ موسيقية لعباراته المخيفة :

- الضربة يا صديقي فيصل أن نحصل على مانريد ، أنت الآن صقر ، التحليق لا يفيدك .. أنت فقط تحلق عالياً .. والفريسة تجري أمامك وتستمر فقط في التحليق !

- حسناً أتريد أن تقول لي أن أبدأ الافتراس ؟!أن أهجم ..
لا ، هذا ليس حباً يا فهد هذا سلوك عدواني ليس أكثر !

شرق بالضحك وأخذ يقهقه عالياً :

- سلوك ههههههههه سلوك عداوني ، " يخرب بيتك وين تجيب هالكلام منه " ، يا صديقي اترك النظرة الحالمة عنك ..
هذه المثاليات دعها للمسلسلات والروايات ، "صحصح" يا صديقي، هييي نحنُ هنا مرحباً بك في عالم الواقع !
انظر لعينيك حين تتحدث عنها ، هذه النظرة الرجالية أشبه بشفرةٍ أنت وأنا وكل من في هذا المكان يدركها حين نتحدث عن الجنس الآخر ..
ليتك ترى نفسك وأنت تصفها لي في أول علاقتك معها ، حتى نبرة صوتك تفضحك ، أتظنها لا تدري عنك يامغفل ؟
الآن، رغم تصالحك معها وسعادتك كما تقول ، أنظر لهيئتك وملامحك

- ماذا بي ؟ أنا على خير ما يرام ..

- لا يا صقري العزيز، أنت متعب من التحليق، لا بد أنك جائع هههه ،

قالها ضاحكاً وراح يشرب الهواء ..


هل أكذب على نفسي وأقول له أني لستُ كما يقول ، أليس الحب يعني الإقتراب والإندماج الروحي والجسدي والعقلي !
أليس أن يضمك مع حبيبك سقفٌ مشترك وجدرانٌ أربعة ؟!
تباً لفهد. . كلما وصلتُ للقناعة جاء بجيش سخريته يشتتني !


- نعم يافهد، ومن العبث أن أنكر ! هل ارتحت الآن ؟ لكني ...
لكني أحترمها تماماً كما أحبها ، لا أنكر لك أن أفكاري أحياناً تذهب بعيداً ، لكن لسارة قدسيتها الخاصة في قلبي ، نوعٌ من الإهانة لا أرتضيه لها !
يكفيني منها هذا الوصل البسيط .. ألم تسمع عن العذريين ؟ ياصديقي أنا عاشقٌ عذري ، لستُ أبالي بما تقول والحب أسمى من خدشه بهذه النظرة الغرائزية !

أخذ نفساً عميقاً وسألني عن العذريين ، لم يكن يعرفهم حتى !

-العذري ذلك الذي يفصل بين الحب وجسد حبيبته ، يترك القلب يتدبر أمره ويترك للسانه التعبير عن ما يخفيه ليس أكثر ..
يكفيه منه الشعور بالحب وأبسط تعبير يجيء من محبوبته يكفيه تماماً .. هل تعلم ماذا كان يفعل جميل بثينة حين يزداد به الوجد ؟
كان يذهب إليها ليلاً ، يتحادثان ليلاً والناس نيام، فقط يضعُ يدها على صدره ويبرد جاشه ، يكفيه هذا المساس اليدوي البسيط كل سنة ثم يـ..

- هههههههههههههه أشكرك على هذه الطرفة ! يختلي بها ويضع يدها على صدره هههههههههه ما أظرفك يا صديقي

- لا ليست طرفة يافهد ، والأمر مثبت ليس من نسج خيالي ، هل تقرأ كتاب العقد الفريد وأخبار العشّاق العفيفين ؟ أنت لم تقرأ ولو قـ..

- لا أريد أن أقرأ وسأكون معك صريحاً ، إن كانت الكتب تمتليء بهذه الخرافات فتباً لها وللقراءة .. أجننت ؟
رجلٌ في الليل مع حبيبته والناس نيام ثم يكتفي بوضع يدها على صدره ..
حسناً ، إما أن حبيبته دميمة أو أنه مريض .. هل تعرف ماذا كنت سأفعل لو كنت مكانه

- لا شكراً لا أريد

- ههههههه صدقني ستستفيد ..

- فهد ما هو الحب في رأيك ؟

- إسمعني ياصغيري ...الحب هـ

- لا تقل يا صغيري ! تباً لك، أكبر مني بأربعين يوماً ويظنني ولده !

- هههه لا بل صغيري ، طالما تصدق ذلك الذي وضع يدها على صدره وارتاح فأنت مازلت صغيري الذي يستحق التعلم والمتابعة ( تكاد تقتلني سخريته )
الحب إما قبل الزواج أو بعده ياصغيري، ما قبل الزواج سأخبرها ، إن كنتِ تحبيني فتنازلي ، الحب هو التنازلات، أو إلى الجحيم هذا الحب ،
أما حب مابعد الزواج فهو الإستقرار والعائلة والأبناء والرباط المقدس.. هذه نظرتي للأمر ياصغيري

- هذا يعني أنك تكفر بالحب ما قبل الزواج

- نعم ، وهذا لا يعني أني أشكك في مشاعرك انت وسارة ، أرجوك لا تغضب كذلك المساء ، لكن..
لكن من تخون ثقة أهلها وتخاتلهم وتقضي معي ساعاتٍ طوال هي ليست مشروع حب وزواج ..
هنا نعود لمفهوم الصقر والفريسة ، الأمر ليس إلا اقتناص .. طبعاً أنت عذري كما قلت لي لكني لستُ كذلك ..
وبالمناسبة جميل اسمكم ايها العذريين ..
حسناً بالله ما اسم فصيلتي ؟ الصقور الجدد هههههه

- لا ليس الصقور الجدد ، " الهمج " !

- ههههههههه أووه اسم رائع ، على كل حال وقعهُ في الأذن أفضل من وقع " عاشق عذري " ، تشعر بالحرمان والشفقة حين تسمع هذا الإسم ( راح يضحك )


دفعنا الحساب ومضينا نخترق جموع البشر ونشق سحب الدخان الحار وضجيج الأصوات المتداخلة ،
وبقيَ في هاجسي سؤالٌ يلح : من كان محقاً أكثر أنا أم صديقي !

****


في الليل ..هاتفتُ سارة وقد قررتُ أن يكون صلحنا رسمياً أكثر،
فاجأتها مرة ً من قبل ، وسوف أكرر الأمر الآن ،
حسناً يافهد سترى لذة العذريين في التعبير عن مشاعرهم :


- سارة ، هل لديك ارتباط غداً ؟!
- لا ، ماذا ؟
- أريد أن نتناول العشاء في أحد المطاعم سوياً !

هكذا قررتْ !
أريدُ أن أتخفف من ضغوط الإختبارات بسارة ، اليوم مكافأتي نزلت ، ولديّ حبيبةٌ أُحسد عليها ، ماذا ينقصني لأنفذ ؟!


حين أخبرتُ فهد بعزمي على الخروج بها، هب في وجهي يحذرني ..
أخذ يتحدث لي عن الرياض التي أسكنها وكأنه يعرفها أكثر مني :
" يافيصل لا تتهور ، كل الأماكن ( ملغمة )" ..
وكنت لا أبالي !

في التهوّر السلامة !
حين قابلتها عند ماجد مرتين كنت متهوراً .. كذلك حين حاصرتها في المكتبة،
قبلها وقوفي أمام منزلهم مرتين !
في الرياض أن تخاف هذا يعني أن تقع في الفخ !
أن تكون شجاعاً هذا يعني أن تكسر كل القيود وتتفوق عليها ، الحظ يساند الشجعان كما يقول تيرنس .



لا يهمني أي شيء سوى أن أكون بجوار سارة..
والأهم الآن أنها تلقت دعوتي بإرتياح .. تلقتها كما لو كانت تنتظر مني مثل هذه الدعوة طويلا ً !
أدركتُ على الفور أنها تلقتها كما لو كانت تسمع كلاماً كثيراً من صديقاتها يثير غيرتها ولم يُقدم فيصل عليه !
من فرط سعادتها بهذه الدعوة لم تسألني عن مذاكرتي للإختبار الثالث بعد يومين ،
كانت قبل ذلك حريصةً على أن تعرف ماذا قدمت في امتحاناتي السابقة وتهاتفني كل صباح لتسأل ، وتفرحُ حين أخبرها بأن الأمر سار جيداً ،
كنت أتصل بها في المساءات وكانت تبادر لسؤالي عن المذاكرة وتحرصني على الإستزادة ، " أنتظرك بشوق بعد الإمتحانات ستجدني في انتظارك الآن اهتم بدرسك "
لكن حين أخبرتها اليوم بدعوتي لها على العشاء ،هه المسكينة .. عبثاً كانت تحاول إخفاء السرور ..
نست حتى أن تقول " وماذا عن الإمتحان " !


لا يهم إن كانت الرياض قاسية على العشاق .. و لا يهم إن امتلأت بالواشين يافهد !
ولا يهمني حتى من يريد منحها خصوصيةً عن باقي المدن وجعلها أفلاطونية !
لا يهم حتى إن كان اللقاء أشبه بالمشي على الحبل الرفيع .. إما الإجتياز أو السقوط !
كل هذا لا يهم ، المهم أن سارة تلقت الخبر بنشوة ، بسعادة ..
هذا يعني أني أمثل لها أماناً ورجلاً يُعتمد عليه ، إذن لن تُخذلي يا سمراي لن تخذلي ..
أن تكوني سعيدة ، هذا يعني أن لا شيء آخر مهم !


وفهد هذا المزعج ، لا يكف عن الإتصال منذ أخبرته بدعوتها للعشاء ، جاء إلى البيت وبدأ تحذيري :
" إذهب لبيتها لا تخرج بها في الأماكن العامة "
فأسخر من جملته الغبية ، ماذا أريد من بيتهم !؟ ماهذا الوحل الذي يريدني أن أرتمي فيه ..
ليس كل الرجال صقور يطاردون فرائسهم ، أنسيت أني عذريٌ يكفيه القرب من سارة ؟!
سترى أن الحب العذريّ ينتصرُ في النهاية ، وأن هناك رجالاً ليسوا ينظرون لك وأفكارك إلا بمنظر الشفقة يا صديقي !


ثرت عليه ، ولأول مرة راح اللاعب يضرب بتعليمات مدربه عرض الحائط .. أخبرته من الآن وصاعداً أني لن أقبل تدخلاته !
وصعدتُ غرفتي وبدأتُ أستعد للغد..
المشكلة أني لا أفهم في هذه المطاعم شيئاً .. لم أتعود إلا مطاعمنا البسيطة في أحيائنا العاديّة ، أريد أن أحظى ببريق التألق معها !
سيكون شكلي مخجلاً إن وقفتُ بها أمام مكانٍ أقل من قيمتها ووضعها الإجتماعي !
وذكرتُ سلمان و فرقعتُ أصابعي " وجدتها " ..
سلمان ، صديقي الذي يقضي شهره السابع منذ تزوج ، كان الحل ..


حين أخبرتهُ أني أريد أن أذهب بشقيقاتي للعشاء ، بدا وأنه مصدق .. لم يسأل كثيراً ..
أرشدني إلى أرقى الأماكن وأعطاني تفصيلاً عن أسعارها وأسماء قوائمها ..
قبل أن ينهي المكالمة قال لي جملةً وترتني :
" فيصل ، انتبه لنفسك ! " ..
حسناً ، لم أهتم بعبارته ، شكرته وأقفلتُ الهاتف مستمتعاً بشعوري الذي أتراقص فيه ..
لم أبالي بفهد ولا حتى كلمة سلمان ، ماهذا!كل الناس صارت حريصة ً فجأة ؟
ألم يدركوا بعد أن الرياض بلدٌ تحترم الجرأة ؟!

- سأذهب غداً لسارة هل تريد المرافقة؟ هل اشتقتها أيها اللعين ؟!

كنتُ اوجه حديثي لـ " الدبدوب " الذي أهدتنيه سارة ، كان ملقاً على سريري وكأنه سجين، ليس سعيداً منذ جاء لغرفتي ..
لماذا شعرتُ بعينيه تشعان بريقاً حين قلت عبارتي ؟!
اللعنة.. حتى الجماد يدب فيه إحساس القرب منكِ ياسارة !






يتبع ..

look/images/icons/i1.gif بعضُ ما خبأتهُ الرياض ..
  22-05-2011 11:17 مساءً   [40]
معلومات الكاتب ▼
تاريخ الإنضمام : 05-08-2008
رقم العضوية : 12,196
المشاركات : 2,877
الجنس :
قوة السمعة : 859,003,115
24



صوتُ راشد ينبعثُ في سيارتي خافتاً ، يغني يا ويلي وأنا أغني " متى تجين " ، كنتُ أقفُ أمام إحدى بوابات " صحارى بلازا " كما اتفقتُ مع سارة !
الرياض مدينةٌ تحترم الشجعان هذا صحيح لكن ..
لكن الشجاع لا يتمنى الحرب ، فإذا جاءت أعد لها ما يستطيع ، لهذا كنتُ أحترم الموقف الرهيب الذي أنا فيه وجبيني يتفصد عرقاً !

حين خرجتُ هذا المساء من الشقة ، لحِق بي فهد وقد يأس من إقناعي، ثم قال لي بلهجةٍ حزينة قانطة :

" إذن كن واثقاً وكأنك مع اختك أو زوجتك ، أن تتردد هذا يعني فضيحتك وفضيحتها الفورية ! "

أووه ماهذا المدرب المزعج ، تُنهي خدماته وتعفيه ويصر أن يضع لك المنهجية والتكتيك !
إنما كنتُ أعلم أنه مدربٌ بارع رغم سلاطة لسانه واختلافي معه في مفاهيم كثيرة ..
..لهذا تمثلتُ نصيحته كأقصى ما أستطيع !


أدركُ أني أقوم بأمرٍ لم أقم به في حياتي ، طوال عمري لم يكن في سيارتي من النساء إلا قريباتي لا غير ،
أن أحمل اليوم من لا تمت لي بصلة قربى هذا تهورٌ أعرف فداحته ،
لكني أحمل من تمت لي بـ صلة قلب ،
فهل تحترمين هذه الصلة أيتها الرياض ؟!


أقفُ أمام بوابة المجمع والناس من حولي داخلين وخارجين ، يا إلهي ، هل يعرفون موعدنا ياسارة !؟
إذن مابالهم يرقبونني كمختلس ؟! أفواه العاصميين تصمت لكن عيونهم تتحدث كثيراً ..!
كنتُ قد هاتفتها برقم البوابة التي أمكث أمامها وقالت انتظرني قليلاً ،
شعرتُ أن هذا الإنتظار كلفني رقابة الناس كلهم ،
أعين الآسيويين الممطوطة ترتسم على هيئتي الأنيقة ، كنت كرجلٍ في صبح عيد !

ها هي جاءت .. جاءت سارة بين الجموع أعرف مشيتها حين تمشي ،
فوق كتفها حقيبتها الصغيرة ، وتمسك بطرف عباءتها الأنيقة كأنما تصفع بها الهواء ،
ليتك ترى اللاعب الذي همش تعليماتك أيها المدرب فهد ،
كان يصر علي أن أطلب منها ارتداء عباءة رأس ! لم أقل لها ذلك ،لن يكون لديها هذا النوع من العباءات !
وكان كمدربٍ متمرس ، يلح أن تأخذ معها أحد أطفال شقيقاتها كما لو كنا زوجين ،
وسخرتُ منه ولم أطلب ،
أظنني شجاعٌ بما يكفي لأن أترفع عن هذه الوسائل الغير مشروعة في الحرب .
حربي مع الرياض !



ركِبَتْ ، أغلقَت الباب ، ومن بين جموع المتطفلين الناظرين إلينا .. انطلقنا !

تعطرت سيارتي برائحتها يوم ركِبت ، واستحالت سيارةً فارهة وهي التي ليست كذلك ، وانطلقنا !

صمَتَ المسجل بأمر يدي ، وقلتُ لها مساء الخير سارة ، قالت بصوتٍ لاهث، مساء النور فيصل ،
كان صوتها أوضح بكثير حين تتحدث عبرالهاتف .. وانطلقنا !

ألستُ عذرياً ؟ أوَلسنا كقبيلةٍ عاشقةٍ لها تقاليدها العريقة ، لا نمني أنفسنا بأكثر من مصافحة حبيب وإطباق يدٍ فوق يد ؟
إذن هاهي يد سارة تنغمس في يد العذريّ فيصل .. وانطلقنا !


يدها متعرقة ، أهو الخوف يا حبيبتي ؟
لا تخافي والرجلُ الذي بجوارك فيصل ، هذا الرجل تعشقهُ الرياض ولن تؤذيه صدقيني .. وانطلقنا !

كان وجودها بجانبي أشبه بحلم ، وسعلتُ لأتأكد ، وشعرت بصوتي إذن لست أحلم ،
وتأملت سمرتها في بياض يدي فانتفض قلبي ..وشعرت انّا نتفق أكثر مما نختلف ، وانطلقنا !

كل مسافةٍ نقطعها ،كل دقيقةٍ تمر ، كانت تتحلل من خوفها رويداً رويداً ،
ولأول مرة منذ جاءت، ضمت يدها يدي بقوة .. وانطلقنا !

كان الطريق وروداً .. والناس من حولي طيور ، وأعمدة الإنارة باتت أشبه بأشجار تزين الطريق ،
كل الرياض صارت جنة .. وانطلقنا !

اصطفت الأسواق البراقة، والأبراج العالية ، والمباني الشاهقة ، كلها باتت كجمهورٍ ينادينا.. تشاهدنا تحيّينا،
كل مافي الأرض دوّى باسمنا .. وانطلقنا !

أين ذاك الخوف ياقلبي ، أراكَ الآن أشجع من محارب ،
أصبحتُ نابليون يمشي في سماء العاصمة ، خلف كل عظيم أنثى / بجوار كل شجاع أنثى ، وانطلقنا !

سألتها كسراً للصمت ، هل اشتريتِ شيئاً من السوق ، قالت لا ،
فقط كلمة " لا " كانت حديثاً طويلاً ..أردت سماعها لأصدق ، فعرفتُ أنها بجانبي حقاً وليس حلماً .. وانطلقنا !

لا تخافي مني ، ها ماذا تريدين أن تسمعي من أغنيات؟قالت أي شيء ، وأصريت أن تختار ،
إختارت "اصحى تزعل " لعبدالمجيد ،و على الفور كنت ألبي ، وانطلق صوته صادحاً يوم انطلقنا!

قلت لها قولي أي شيء ، قالت ماذا أقول ، سارة أأنتِ سعيدة ؟
وأومأت برأسها ورقص الكون في عيني .. وانطلقنا!

نسيتُ الناس والشوارع والأرصفة ، نسيت الزحام وصرتُ أعتليهم فوق سحاب لستُ أواكبهم سيراً على الأرض ..
وعبدالمجيد يغني لنا وحدنا ليس يغني لآخرين .. وانطلقنا..

قالت كأنما عابت على نفسها الصمت : ألديك امتحان غداً ، وجاء صوتها أعذب من أي مرة ،
نظرتُ لها مبتسماً فأطرقتْ .. كنت أريد أن أقول : تباً لامتحاني وخشيت إحراجها فتغرق بالصمت أكثر .. وانطلقنا !


لاح مطعم " الشرفة " متراقصاً يدرك أن القادم نحوهُ سارة ، وقلتُ له أنتَ شرفة الحياة الأجمل منذ الآن وصاعداً ، وستسكنُ ذاكرتي طويلاً ..
ليس مجيئي إليك إلا علامةٌ أضعها في الرياض إذ ربما أحتاج يوماً أن أصدق .. أصدق أننا كنا هنا !
سأذكرها طويلاً كلما مررتُ بك ، لا أعرف المستقبل لكني أعرفُ أني سأذكرها بك كل ما قرأت اسمك أو رأيتك ،
أحتاج أن أضع علاماتٍ في دهاليز العاصمة لأتأكد بعد أزمان ، أنني وحبيبتي كنا هنا في الرياض ولم نكن نحلم .. وتوقفنا !

نزلنا ، زال التوتر والعرق ، ذهب الخوف ..نسيتُ نفسي واقتحمتُ الأماكن كفاتح !
أليست هذه مواجهة ؟ أليست حرباً مع ظروف الرياض القاسية ؟! الخوف مبرر قبل المواجهة فقط ، حين المواجهة لا أعترف به !
زال التوتر والوجل .. ونسيتُ الجموع الداخلة والحشود الخارجة ..
ونسيتُ أني في بلدي، و ظننتني في عاصمة أوروبيةٍ تختال في جوها اللطيف ..
اندفعتُ تجاه المكان أمسك يدها كأننا زوجين في زفتهم ،
قام لنا نادل البوابة مبتسماً ، كنا أصغر القادمين ، ورأى زينتها ورأى زينتي فعرف أنا لسنا ككل الداخلين ..
شعرتُ ان بسمتهُ تصفيقاً لشجاعتي ، وابتسمتُ كأني أقول " لنبقِ الأمر سراً ياصديقي" !



مشينا بين جنبات المكان الذي يحتفي بنا ، تركتُ يدها لم أمسك بها ، ليس خوفاً من أحد ، أردتُ أن أفتخر بنفسي حين تتبعني ..أردت أن أتأكد أنها ملكي وستتبعني ،
أردتُ أن أمشي وتمشي خلفي كأنها تقول للرياض هذا رجلي ! نوعٌ من الزهو كان يداخلني وأنا أراها تلحق بي .. أتُراي جننت ؟!
كنت أنعطف وتنعطف معي ، أتوقف فتتوقف، ويرقص قلبي زهواً .. تتبعني كما لو كنتُ الرجل الوحيد في هذه العاصمة .. أمسكتُ يدها واتخذنا ركناً قصياً ..
دخلنا وسحبتُ لها مقعداً ..
وألتفتّ عليها لأجدها خلعت عن وجهها ما حجبه ، وشعرتُ بأني على وشك الوقوع فأستعنتُ بالكرسي وادعيتُ الثبات !


كانت ترتدي فستاناً ليلكياً أنيقاً ، بسيطاً خالياً من تفاصيل التكلف ، يطوّق خصره مالا أعرف من لآليء ،
يتقاطع عند نحرها بخيطين رفيعين تتوسطهما قلادة ، قصيراً يعذب الناظرين !
قرطان من الماس وعقدٌ ليس أجمل مما تحته ، و سوارٌ يطوّق ساعدها ومنظرها سوارٌ يطوّق قلبي ..
وشعرها القصير يلتفّ خلف أذنيها ليكسوها مسحة براءة .. ورائحتها تعبق في المكان تُحيلهُ حقل ورد ..
كانت طفلةً بين يديّ ، شعرتُ أني أكبرها بأعوام ليس عام .. ياللطفلة الجميلة ، أحقاً جرحتها قبل أيام ؟ ويحي وويلي!

أتأملها وأحدث نفسي:

لم تكوني بحاجةٍ لكل هذا التجمّل ..
وهذا الفستان الذي يختبرُ صبر العذريين كان يُغني عنه أي أسمالٍ بالية ..
جميلةٌ في كل أحوالك فلماذا هذا العذاب !
كان موعداً رومانسياً نتصالحُ فيه حقاً .. لماذا جعلتيهِ موعداً لهلاكي ؟!
وعينيك هذه ألم تألفني بعد ؟ ألم تدرك أني حبيبك ؟
ألم تخبري عينيك بعد أنكِ تحبين هذا المسكين، مابالها الآن لا تكف عن رمي نبالها واقتناصي ألف مرة !


يا لبجاحة هذا القمر في السماء أيظهر في هذه البقاع وأنتِ هنا !
يا لبجاحة النساء اللواتي يحضرن مناسباتٍ ترودينها ، يمارسن التجمّل والتغنج حتى تأتين يا فاتنتي لتقومين بالدور الذي تجيدين :
الإلغاء ! وهل تجيدين إلا الإلغاء .. و ببراءة !
يا لبجاحة فهد ، أيظنّ أن هذه الرقة فريسة ؟ أيظن أن العذريين انقرضوا ؟
يالبجاحة قلبي يوم قال : أتحبها ؟ إيهِ أحبها .. أردتُ أن أهتف في هذا المطعم الأنيق ولكني أفقتْ من صُعُدات فكري!

بربك تكلمي ، ليس ذا وقت الخجل ، الرياض شحيحةٌ بالفرص .. لا تسكتي !
كانت تنظرُ للقائمة الرئيسية وغمازتها بادية ، ارفعي رأسكِ وانظري لي ، حسناً ،
مددتُ يدي ورفعت رأسها من دقنها ناحيتي : " سارة أنا هنا " واصطبغ وجهها بالحمرة وابتسمتْ !

ماذا تطلبين ؟
لديهم كل شيء ، ولديكِ هنا قلبٌ على طبق، وعينين زائغتين، و شوقٌ ناضج .. ولديكِ أكثر !
ماذا تشربين ؟
أي الكؤوس سيكون عريس الليلة ، ذلك الذي تضعين مبسمك المتجمّر فوق حوافه ؟!
يافاتنة الرياض .. يا مهوى فؤاد الرجل الثاوي أمامك .. يا قبلة القلب .. تحدثي واتركي هذا السكوت ..
اتركيه حين نعود لبيوتنا نفكر في روعة اللحظة وهل كان حلما أم خيال، الآن لا، لاتسكتي !

رحتُ أحدثها كسراً لصمت المكان :

- ساره هل أنتِ متوترة الآن ؟! سارة لن أضرك ؟ أنتِ في مأمنٍ معي .. لن يصلكِ مني أكثر من هذه النظرات العاشقة فقط !

أوووه اللعنة أهذا كلامٌ أستدرّ به حديثها ؟ ها قد أطرقت واصطبغت بالإحمرار أكثر !

- سارة لو قلت لكِ أن هناك قلباً يتمزق ، سيموتُ إن لم تقولي الآن شيئاً، أتتركينه يهلك ؟!
بربك الوقت يمر ، أن تكوني بجواري صامتةً هذا يكفي لأختال في الأرض فرحاً ، لكن أريد الخير كله ، كوني بجواري وتكلمي ، هيّا


راحت تهمسُ بصوتٍ أكاد لا أسمعه ، ماذا ؟ ماذا قلتِ ؟ آها .. ماذا فعلت في إختباري ؟

- أخبرتكِ في الصباح ، كنت موفقاً جداً ، الدكتور ثابت طلب مني أن أعرض عليه مزيداً من القصص قبل أن يسافر لبلده في الإجازة ..

- ماذا قلت له ؟

.. جميل هكذا أفضل ، بدأ صوتكِ في الظهور


- في اختبار الإربعاء سأذهب له ببعض النماذج ، لكني محتار ماذا أختار له ؟!

- حديث الغرباء !

- حقاً؟ لا أظنها جيّدة ، هل تعلمين ؟ حفظك لعناوين قصصي هذا يجعلني الشاب الأسعد في الأرض ، لكن حديث الغرباء أشعر بأنها مفتعلة أكثر من اللازم !

- لا بالعكس ، نهايتها قويّة ، هزتني ، لكن ربما لا تروقُ لأستاذك ..

- واللهِ لن أردك ياسارة ، سأعرضها عليه غداً وليقل مايشاء ، فليسحب إشادته إن أراد ، لن أرد طلبك !

أووه ، عاد الإحراج يكسوها مجدداً ، تباً لهذرتي ، سأقتصد في كلامي وأنتقي عباراتي جيداً ، يبدو أن الخجل لن يتركها هذا المساء لي ..


أصريتُ أن تطلب هي ماتريد ، لا أعرف هذه الأسماء إطلاقاً .. وهذه القوائم لم أرها من قبل ولم أر ما فيها !
" إختاري لنا ياسارة ماشئتِ " هكذا قلتُ وأنا أتلذذ بكلمة " لنا " أكثر مما أتلذذ برائحة أطباق الغرفة المجاورة ..

- امم حسناً سأختار، شوربة بالذرة ، فيتوتشيني ، 2 ليمون بالنعناع ، طبق سيشوان، سلطة ..

وهل أرفض ؟!
لم أسمع في حياتي بهذه الأطباق لكني أسمع سارة ! ورحنا نتحدث ، صارت تتصاعد في أدائها حتى أصبحت شبيهة لسارة التي تحادثني في الهاتف والنت ..
رفعنا الكلفة وسقف الخجل وبدأنا نستمتع حقاً بجلستنا هذه ، كان الكل يتحدث بصوتٍ عال ووحدنا كنا نتهامس ..
رأيت في عينيها عشقاً وامتناناً لي ، كانت تتأملني كما لو رأتني أول مرة ، هل أعجبتها حقا ً؟ أظنني الرجل الأسعد في كوكبنا هذا المساء ..


كان أكلها موسيقى ، أناقتها تبهر ، مسكتها في الملعقة والشوكة وحتى شربها للعصير كان يزيدها في عيني فتنة ..
لا لا تقل فتنة ! ماهذا أيها العذري أنسيتَ نفسك!!
كنت أتأمل ملعقتها صامتاً .. ترتسم على ملامحي بسمة ، كانت تنقر الطبق بهدوء .. ليست كالمجاورين لنا في الغرف !
شعرتُ أن الملعقة تغيّر خط سيرها لم ترتفع لأعلى ، امتدت إلي ّ ، كانت تناولني بيدها سلطةً خضراء وتوقفتُ أفكر لبرهة :
هذه ملعقتها ، وحوافها كانت على شفتيها ،
وتناولتُها ..
فشعرتُ بأن طعمها ألذ من السلطة التي لدي .. مع ان الصنف ذاتُه ، لا بالتأكيد جُننت!


يا لسعدي هذا المساء .. نعم الرياض يا فهد مدينةٌ تحترم شجعانها ولا تؤذيهم ..
نعم يا فهد للعذريين لذةٌ لن تدركها يا محب الفرائس !
وتذكرتُ أحلام مستغانمي وأردت إخبارها أن الحب هو أن يتقابل اثنان لينظرا لبعضيهما ،
لا يهم أن تكون الطاولة مستطيلة أو مستديرة أو متوازية أضلاع حتى ، طالما قلوبهم مشرعةٌ لبعض !


أنهينا طعاماً لم نعرف لذته ، ضاع في لذة لحظتنا نحن ، وهل يميّز البحر انسكاب الدلو فيه !؟
ثم قمنا لنغسل أيدينا عن كل شيء إلا روائح كفوفنا يوم تلامستْ ، ستبقى طويلاً!
وقفنا كإثنين وما نحن إلا واحد !
وارتسمتْ عيني على كأسها ، و عدتُ إليه كسارق ، عدتُ لأخبر العذريين أني مختلفٌ عنهم بعض الشيء ..
كل جيلٍ يتطوّر قليلاً ، أعذروني قبيلة العذريين :
أدرتُ كأسها بحثاً عن حمرةٍ فوق حافته ، ووجدتها !
وغمست نفسي وقلبي قبل شفتي ، فوقه ...
و شعرتُ أني على هامش هذه المدينة ولست أعبأ بها ولا بالمكان الذي أنا فيه ..
أين أنا ؟ لا أدري .. من انا ؟ لست أدري



كان قلبي يدبّ بالحب حين عادتْ .. أقبلتْ فاتنتي مجدداً ..
وجلسنا قليلاً نتبادل الأحاديث وأيدينا تصم بعضها ..
ثم نظرنا للساعة و عرفنا أن جلوسنا بحساب الوقت كان كثير !
وأزِفت لحظة التوديع فقمنا ..
كانت في الزاوية ترتدي عباءتها ..وكانت أنوثتها تعبق كرائحتها ..
شيءٌ في داخلي كان يقول لا تضيّع لحظة عمرك ! شيءٌ في داخلي كان يقول " للعذريين شطحاتهم ! "
وإبليس يهتف أن لا تلعن نفسك نادماً حين تصل غرفتك .. تقدم صدقني ستندم كمحروم !

وقفتْ هي ووقفتُ أنا .. فتحتُ الباب لتخرج .. كان المكان يضيق عند الباب عن غيره ..
وقفنا تاركين المكان لأناس ٍ سيأتون بعدنا، ولا نعرف منهم، لكن نعرف أنهم ليسوا مثل قلوبنا أبداً !
قامتْ ولامس كتفها صدري عند الباب ، كنت طويلاً جداً بالنسبة لها ، وكانت تنظر لي كجبل ، وشعرتُ بالزهو للإعجاب في عينيها ..
مسّ كتفها صدري ، مسني كشواظ نار ، واضطرم قلبي وتأجج ، أغلقتُ الباب وأدرتها صوبي ..
ثبّتها على الباب .. واقتربتُ منها !
وفعلتُ مالم يفعله العذريين من قبلي ، نعم ..
. قبلتها ..
قبلتُها و حل الصمتْ !
تلعثمتُ وارتبكتْ .. فتحت الباب بسرعة وانطلقت !
اللعنة ماذا فعلت !!
وخرجنا



في السيارة صمتٌ مطبق ، والسيارات من حولنا كأنها تتلصص ، والناس في مواقف السوق كأنها تدري عن فعلتي الغبيّة !
سكتتْ ولم تنطق طوال سير الرجوع ،
كنا قد رحنا لشرفة الحياة وأيدينا تُمسك بعضها كما لو كانتا عاشقان يرقصان على أنغام موزارت ..
والآن جئنا و يدها تتكوم فوق حقيبتها صامتة ،
قلت لها " آسف ، غصبٍ عني " ..
ولم تجب !


نزلتْ بسرعة .. اتجهت لسائقها وأنا أرقبها من بعيد ، واعتلت هودجها الفيراني..
وشعرتُ أني أريدُ لحاقها ، وخِفتُ الناس وانصرفْت ،
تحسستُ المقعد المجاور فلم أجدها ، " راحت " هكذا قلتُ لنفسي كمجنون !



في البيت حين وصلت.. هاتفتها :


- للأسف ياسارة أضعتُ كل شيء وحطمت لحظتنا السعيدة اعذريني ..

- ..................

لم تجب،

- والله لم أكن مخططاً للأمر ، أحترمك جداً كما أحبك ، اعذريني !


- فيصل


- نعم ؟!

- مجنون ؟ تعتذر عن أيش ؟ فيصل كل ما فيني يرقص .. أريد أن أصرخ باسمك .. أعرف ان الأمر خطأ لكنه أجمل خطأ في الدنيا
نعم أحرجتني ، أخجلتني ، لكن مازلتُ أعيش اللحظة .. آه فيصل ، يا ليتني ملكتُ جرأتك !

- كنت ماذا ؟

- كنتُ أريد أن أعبر لك عن امتناني عن فرحتي، فيصل نعم صدمتني .. لكن حين فكرت قبل قليل ..

- ماذا ؟

- فيصل لم يفعلها إلا لأنه عاشق ، لأني أُعجبه حقاً ... أشعر أن هذه الرياض لا تسع فرحتي

- سارة لأول مرة أحب الرياض بهذا القدر

- لا .. لا أرجوك ، لا تقل شيئاً عن الرياض .. أعشقها يافيصل ، عدني أن تحبها دائماً .. مهما حدث ،عدني

- أعدك ، وسأكتبها في قصائدي .. أحبها .. تماماً كأنتِ

- أريد أن أصرخ الآن وأقول أحب الرجل الأكثر جنوناً في هذه الأرض .. سأصرخ :


صرخت بإسمي لم تخش أي سامع .. يا للمجنونة !

ثم أغلقت هاتفها خجلا ً من اندفاعها ..
وبدأتُ أكلم الدبدوب كأي رجل فقد عقله !
ارتميت على فراشي كأفضل إنجازٍ حققته في حياتي ، أفضل حتى من تخرجي القادم ..
وكتبت رسالة ً لفهد قبل أن أنام مع أحلامي اللذيذة :

" ألم أقل لك إن الرياض تحترم الشجعان فلا تؤذيهم ؟
أعرف أن حديث المثقفين لا يروقك لكن تيرنس يقول : الحظ يساند الشجعان ..
حسناً فلتصبح على خير أيها المدرب الفاشل هههه "

واحتضنت الدبدوب وأغمضت عيني ، وشعرتُ أن الرياض تنظر لي باسمة ..
..تماماً كـ أم ٍ تحنّ وليدها !

يتبع ...

اضافة رد جديد اضافة موضوع جديد
الصفحة 2 من 10 < 1 4 5 10 > الأخيرة





الكلمات الدلالية
لا يوجد كلمات دلالية ..









الساعة الآن 12:45 AM